كانوا يشيرون عليه كلما مر بالقرب منهم أو التقاهم بالمصعد. سكن الدور الأخير من
المبنى المؤلف من عشرين طابقاً. عرفه الطلبة وعرفته الطالبات من خلال سنوات جامعية
عديدة جمعتهم به. كانوا يسمونه: " رجل برأس مثل القفل". لشدة عناده ورفضه التنازل
عن موقفه. اعتبرهم جميعاً على خطأ يوم جادلهم بقضايا مصيرية وفكرية. درس الفلسفة
وتأثر بها، ترك شعره يطول حتى كاد يلامس مؤخرته. ولحيته طاليت فوصلت إلى سرته.
آخرون اعتبروه من عقلاء السكن، حتى أن طالبة تدرس الفلسفة مثله. جميلة كالبدر ،
تركت الآخرين وأحبته هو. حاولت التقرب إليه بعد أن عرفته عن قرب وعلمت بأنه مل
الحياة. وأنه اختار لحظة معينة لموت مرسوم. في ذلك اليوم المعهود، غادرت السكن ولم
تعد أبداً. بينما قفز هو من الدور الأخير، حيث بادلها بسمة ورقصة خلال حفل عقد قران
زميله قبل أيام قليلة. اختار طريقة انتحاره بعد حوار طويل مع زجاجة فودكا. قفز من
السطح دون أن ينظر تحته. في أثناء تحليقه شاهد خلف الشبابيك الكثيرة بعض الفتيات،
اللواتي وصفنه بالقفل، ينزعن عن أجسادهن آخر أوراق التوت. رفع رأسه عالياً وأخذ
ينظر إلى أعلى، فرأى نجمة تشع نورا وعليها وجه الفتاة التي أحبته. ورأى قمرا
منيراً، مكتمل الدائرة ولمح لدى تهاويه شيئاً مشعاً كان بدوره يسقط بسرعة فائقة.
خيل له أنه سيسبقه إلى الأرض. بعد هنيهة اختفى الشيء المشع من مجال الرؤية، وأحس
بجسده يرتطم بشيء ما. أدرك أنه لم يمت وأنه مازال على قيد الحياة. عرف فيما بعد انه
وقع على متسول مر صدفة على الرصيف، حاملا بيده كوباً فارغاً إلا من بعض القطع
المعدنية. كان يبحث عن شيء يضيفه إلى الكوب. مات المسكين بينما لم يحصل اليائس على
ميتة أرادها وخطط لها. لكنه تعرف خلال مغامرته تلك على بعض خبايا السكن الجامعي.