الزبّال

جلسنا سوية نرشف قهوتنا العربية الخالصة فمع وجودي هنا في المانيا منذ عشرين عاما وعندما يأتيني من تربطني به تطلعات ادبية وثقافية اصرّ على تذوّقنا القهوة العربية فتقوم زوجتي مشكورة بتجهيزها حسب الطريقة المتّبعة في بيتنا ابا عن جد . نعم جلسنا نتسامر عن الأدب والأدباء وقد سافرنا في عربة العمر مشوارا ليس بالقصير فكلانا تخطّى الستين ... سألته اين انت من مرتبة الكاتب وفي اية خانة تصنّف قلمك ؟؟؟ اجابني
في طفولتي عزيزي وفي بلدتي القامشلي وعند حرب 56 طلينا زجاج شبابيكنا باللون الأزرق حتى لا يظهر الضوء الى الخارج فقد كنا نبعد آلاف الكيلومترات عن جبهة مصر ولكن الأحتراز العربي املى علينا ان نأخذ الحيطة ولا نترك للعدو الصهيوني آنذاك ان يتسلل من اية فجوة خاطئة في التكتيك العربي .
ظل هذا الزجاج سنوات طويلة حتى كبرنا وهو باللون الأزرق نكتب عليه امنياتنا ... ولما كبرت أشارت لي جدتي عن امنية ان اكتبها وسألتني أكتب ماذا تريد ان تصير عندما تكبر ..... كتبت زبّال
وبعد الكبر وبعد سفرة العمر الطويلة .... وبعد الألم من هو الزبّال ؟؟؟؟؟ الذي يمسك بالمقشّة وينظّف الشارع من كل ما يفسد جماله وبهجته وهو مكلّف بهذا العمل من أجل نظافة الشارع وبالتالي يخرج المواطن الى عمله في الصباح ويرى كلّ شيء جميلا .
صحيح ان الأوساخ لا يستطيع امرء ان يجمعها كلّها ولكن أصحاب القلم يجب ان يتابعوا ذلك ... فالكاتب هو نفس الوظيفة .
وفي لحظة اكتشفت انني هو ... ولكن يا عزيزي هو ناجح ... وانا فاشل
الزبّال الأمين وصاحب الضمير الحي يمكنه ان يخلّص الشارع مما يفسده
ونظرت الى نفسي والى ما اكتب واين هو من فعل هذا الزبّال .... وانا هو هذا الزبال ولكن لم ننجح في كل هذه الأعوام ويلزمنا الكثير والكثير الى ان نصل الى درجة قريبة من ....... الزبّال
نظرنا الى بعضنا البعض واكواب القهوة فارغة في ايدينا تنتظر من يجمعها ..... هذه هي حكايتنا ايها الزبالين .