الحلقة المفقودة

التقيت به في مقهى مشرقي في اوسلو، لم يكن هناك أمكنة فارغة سوى على طاولتي، طلب الجلوس سمحت له.. بعد ان شبع من سندويش فلافل، سألني عن بلدي، طبعاً لم يكن يسال عن النرويج، بل عن البلد الأصلي. قلت له أنا من فلسطين.. قال بأسف، مساكين.. معذبين..

هو مثلي أجنبي في بلاد أجنبية.

بدون سؤال ، قدم نفسه: انا من بولندا.. اعمل في البناء.. نص بنص..

قلت ماذا تعني بنص نص ؟

قال يعني ابيض واسود..

قلت له: ما هو الأبيض وما هو الأسود؟

نظر الي بتعجب، وأضاف.. يعني اشتغل هنا وهناك ..

قلت له بصراحة أنا رجل لا افهم بالألغاز، اشرح لي الموضوع وبسط الأمر.

قال أنا اعمل جزء بالأبيض يعني ادفع ضرائب وجزء بالأسود يعني بدون ضرائب.

وحدثني بعد ذلك عن سر العمل بالأسود وما يمكن ان يوفره المرء من أموال.. ثم أضاف حتى نستطيع إنهاء العمل بالأسود، علينا إيجاد العلاج الشافي. وأخذ يقص على مسامعي في نهاية حديثه ، القصة التالية: عامل بناء بولندي يعمل بالأسود في بناء فيلا لرجل أمريكي في واشنطن.. العامل البولندي استأجر عامل بناء أوكراني كي يبني له فيلا في وارشو. العامل الأوكراني بدوره يبني فيلا في كييف ويقوم ببنائها عامل أوزبكي ، والأوزبكي لكي يبني فيلا له في بلاده عليه أن يحضر الأمريكي ليقوم ذلك. وبما أن هذا الطلب غير ممكن.. ستبقى هذه الحلقة من الدائرة مفقودة. لذا يصعب ربطها بالحلقات الأخرى. مما يعني أن شغل النص بنص، والعمل الأسود سوف يستمر بدون تغيير...

بعد حديثه سحبت نفساً عميقاً من اركيلتي كاد يخنقني، فأخذت اسعل بشدة، وأثناء نوبة السعال رأيت البولندي يلوح لي بيده ويمضي برفقة مقاول بناء نرويجي.