Karnjal in the village in the province of West India Barbhana the parents threw their children from high altitudes until you protect them from the evil eye and envy in their lives to the Indian tradition is said that strange 700-year-old and supervised by clerics, professionals in this area
شاهدوا ماذا يفعل الهنود بأطفالهم
في قرية كارنجال في اقليم
باربهاني غرب الهند يقوم الاهالي بالقاء اطفالهم من ارتفاعات عالية حتى تتم
حمايتهم من الحسد والعين الشريرة في حياتهم لتقليد الهندي الغريب يقال بأن
عمره 700 عام ويشرف عليه رجال دين متخصصين في هذا المجال
أبو قلب رقيق لا يشاهد هذا الفيديو
Destruction of the Al-Aqsa Mosque
In the midst of the media rush to destroy the minds of Arab ... Become maximum just news ... Just a mural .. TV news transient Nghier him to follow up his things and prefer to make us forget our worries, rather than remind us of it .. This is what happened, and we forget our worries and we change our mood ...
تدمير المسجد الأقصى
تدمير المسجد الأقصى
في خضم التهافت الإعلامي على تدمير العقول العربية ... أصبح الأقصى مجرد خبر ... مجرد لوحة جدارية .. خبر عابر نغيير التلفاز عنه لقدمه و نفضل متابعة أشياء تنسينا همومنا بدل أن تذكرنا بها .. فهذا ما حدث و نحن ننسى همومنا و نغير مزاجنا ...
جمعة خذلنا المسلمون والعرب 30 - 3 - 2012
اللهم اني نشكو اليك ضعف قوتنا وقلة حيلتنا وهواننا على الناس ،
أنت رب المستضعفين وأنت ربنا لا اله الا انت ،
الى من تكلنا .. إلى قريب يتجهمنا ، أم إلى عدو ملكته امرنا ،
إن لم يكن بك سخط علينا فلا نبالي غير أن عافيتك هي اوسع لنا ، نعوذ بنور
وجهك الكريم ، الذي اضاءت له السموات والأرض وأشرقت له الظلمات ، وصلح عليه
امر الدنيا والآخرة من أن يحل علينا غضبك او ينزل علينا سخطك لك العتبى
حتى ترضى ولا حوة ولا قوة لنا الا بك
03/27/2012 - District Elsafsafa destruction of homes. Homs, the ancient
A tour of the neighborhood Elsafsafa. Homs appreciate the feelings of all the old people watching his home
see
see
27-3-2012- حي الصفصافي دمار المنازل. حمص القديمة
ليش الناس عندهم غمزات وانت ما عندك غمزهـ
الغمازات هي انبعاج بسيط في الجلد سببه تغيرات في طبقة البشرة السفلية. ولكن لماذا يملك بعض الأشخاص غمازات بينما لا يملكها الآخرون؟
يا ترى ما الذي يجعل الوجه جميلا؟ لا شك بأنها الابتسامة الواثقة. حيث تعد الابتسامة أحد أكثر الأجزاء المميزة في تعابير الوجه. ولكن ما الذي يجعل الابتسامة أكثر جاذبية؟ أنها الغمازات! ولكن ما هي الغمازات؟ أنها انبعاج طبيعي في الجلد، وغالبا ما تظهر على الخدود أو الذقن. وتعتبر الخدود التي تحتوي على غمازات من أجمل الوجوه على الإطلاق في العديد من الثقافات...
يا ترى ما الذي يجعل الوجه جميلا؟ لا شك بأنها الابتسامة الواثقة. حيث تعد الابتسامة أحد أكثر الأجزاء المميزة في تعابير الوجه. ولكن ما الذي يجعل الابتسامة أكثر جاذبية؟ أنها الغمازات! ولكن ما هي الغمازات؟ أنها انبعاج طبيعي في الجلد، وغالبا ما تظهر على الخدود أو الذقن. وتعتبر الخدود التي تحتوي على غمازات من أجمل الوجوه على الإطلاق في العديد من الثقافات...
وتعتبر الغمازات صفة وراثية مهيمنة. بشكل تشريحي، تظهر الغمازات بسبب اختلاف في تركيب العضلة الوجهيِة (zygomaticus major). وأكثر الناسِ الذين يملكون غمازات يملكونها على الخدين. بينما تعد الغمازة على جهة واحدة من الوجه نادرة.
وتظهر الغمازات بسبب العضلات القصيرة. وغالبا ما تظهر للأطفال الرضع غمازات، لَكنها تصبح أقل وضوحا مع التقدم في العمر بسبب تمدد العضلات.
وتظهر الغمازات بسبب العضلات القصيرة. وغالبا ما تظهر للأطفال الرضع غمازات، لَكنها تصبح أقل وضوحا مع التقدم في العمر بسبب تمدد العضلات.
ولكن لماذا يملك الناس غمازات وجهية؟ ببساطة لأن بعض الناسِ لديهم عضلات أقصر. تسحب هذه العضلات الجلد عندما يبتسم الشخص مما يبرز الانبعاج أو الغمازة الكلاسيكية
: بعض النسا يملكون غمازات على الذقنِ.
أو كما تعرف بالذقن المرصوعِ. وهي مشابهة لغمازات الخدَّ، وتعد غمازة
الذقنِ أيضاً موروثة مع درجة مختلفة من الأهميةِ. في حالة الأخير، يمكن أن
يصل الانبعاج عميقا
بما فيه الكفاية للوصول إلى عظمِ الفكّ. ومن المحتمل أن يسبب انشطارِ بين
الجهة اليمنى واليسرى من الفكّ الأسفل أثناء التطور الجيني.
| سبحان الله |
| سبحان الله |
ملحوظة : غمازات الذقن يطلق عليها هكذا مجازا
أما اسمها اللغوى النونات ومفردها نونة
أما اسمها اللغوى النونات ومفردها نونة
أكبر طائرة ورقية في العالم شاهد بالفيديو
مجموعة من الأمريكين يطلقون أكبر طائرة ورقية عملاقة 45 قدم طائرة ورقية
طويلة، والتي يعتقد أنها الأكبر في العالم، والذباب بسرعات تصل إلى 98 ميلا
في الساعة فوق صحراء أريزونا .
اردوغان في زيارة لبيت عائلة تركية
اردوغان في زيارة لبيت عائلة تركية مجيبا على هاتف ابنهم
أردوغان: أنا رئيس الوزراء ألبي دعوة لشرب الشاي في منزلكم
==========================
لم تكن المواطنة التركية المتقاعدة اونزيلا اوزون تتوقع ان يلبي رئيس الوزراء طيب اردوغان دعوتها لتناول ...كأسا من الشاي في بيتها،ولتقول له:حمدا لله على سلامتك.
ما أن انتهى رئيس الوزراء من اداء صلاة الجمعة في مسجد نالتشاجي خليل في منطقة اسكودار في الطرف الاسيوي من اسطنبول حتى سمع صوتا لامرأة تقف على الشرفة المقابلة للمسجد تلقي عليه السلام وتدعوه لتناول الشاي في بيتها.
لم يتوان أردوغان في تلبية الدعوة وصعد الى شقة اوزون في العمارة السكنية التي تقطن فيها وجلس يحادث من تمكن من الدخول لشقتها من الجيران.
في الاثناء رن جرس التلفون المجاور لمقعد رئيس الوزراء مما دفعه الى رفع السماعة لاجابة الطالب،طرح عليه أردوغان التحية وقال انا رئيس الوزراء طيب اردوغان،فمن انت؟ اجابه ان ابن اونزيلا اوزون....تابع اردوغان:أنا الان في بيت والدتك ألبي دعوتها لشرب الشاي،وحولي الان معظم سكان العمارة التي تسكنون فيها،واردف: اسمعني،أنا أمي اسمها تنزيلا وأمك اسمها أونزيلا يعني تتشابه"لذا ان استوصيك بأمك خيرا.وانتهت المكالمة.
الصحفيون كعادتهم ارادوا معرفة فحوى الحديث الذي دار بينهما،الا ان اوزون رفضت اعطاء اي تصريح صحفي،لكن بعض الحضور أشار الى انها طلبت من رئيس الوزراء رفع الرواتب التقاعدية التي تتآكل بفعل الغلاء الذي يجتاح العالم بسبب ارتفاع اسعار النفط
أردوغان: أنا رئيس الوزراء ألبي دعوة لشرب الشاي في منزلكم
==========================
لم تكن المواطنة التركية المتقاعدة اونزيلا اوزون تتوقع ان يلبي رئيس الوزراء طيب اردوغان دعوتها لتناول ...كأسا من الشاي في بيتها،ولتقول له:حمدا لله على سلامتك.
ما أن انتهى رئيس الوزراء من اداء صلاة الجمعة في مسجد نالتشاجي خليل في منطقة اسكودار في الطرف الاسيوي من اسطنبول حتى سمع صوتا لامرأة تقف على الشرفة المقابلة للمسجد تلقي عليه السلام وتدعوه لتناول الشاي في بيتها.
لم يتوان أردوغان في تلبية الدعوة وصعد الى شقة اوزون في العمارة السكنية التي تقطن فيها وجلس يحادث من تمكن من الدخول لشقتها من الجيران.
في الاثناء رن جرس التلفون المجاور لمقعد رئيس الوزراء مما دفعه الى رفع السماعة لاجابة الطالب،طرح عليه أردوغان التحية وقال انا رئيس الوزراء طيب اردوغان،فمن انت؟ اجابه ان ابن اونزيلا اوزون....تابع اردوغان:أنا الان في بيت والدتك ألبي دعوتها لشرب الشاي،وحولي الان معظم سكان العمارة التي تسكنون فيها،واردف: اسمعني،أنا أمي اسمها تنزيلا وأمك اسمها أونزيلا يعني تتشابه"لذا ان استوصيك بأمك خيرا.وانتهت المكالمة.
الصحفيون كعادتهم ارادوا معرفة فحوى الحديث الذي دار بينهما،الا ان اوزون رفضت اعطاء اي تصريح صحفي،لكن بعض الحضور أشار الى انها طلبت من رئيس الوزراء رفع الرواتب التقاعدية التي تتآكل بفعل الغلاء الذي يجتاح العالم بسبب ارتفاع اسعار النفط
رجل يطير بجناحين وبقوة العضلات
مهندس الميكانيك الهولندي جارتنو سميتس يطير بجناحين صنعهمها بنفسه وبالاعتماد على قوة عضلاته فقط.
محمد مراح مهاجم المدرسة اليهودية بفرنسا
اول فيديو للشقة التي استشهد بها محمد مراح الذي قتل 4 اسرائيليين بفرنسا
فيديو لمحمد مراح مهاجم المدرسة اليهودية بفرنسا
شاب بريطاني يصنع ممر من السيديات
قام شاب بريطاني بتجميع 600.000 CD ووضعها على العشب وتصميم ممر بشكل خيالي وجميل قام بتسمية : CDSea ،
لأنه اصبح كالبحر بسبب أنعكاس الشمس عليه ، بقيت هذه السيديات لمدة شهرين حتى تم إعادة تدويرها وذلك حفاظا على البيئة .
لأنه اصبح كالبحر بسبب أنعكاس الشمس عليه ، بقيت هذه السيديات لمدة شهرين حتى تم إعادة تدويرها وذلك حفاظا على البيئة .
ركاب يتفاجئون ببطاريق تتجول داخل الطائرة - فيديو
فوجىء ركاب طائرة أمريكية متجهة الى نيويورك بوجود إثنين من البطاريق
يتجولون ويتنزهون فى ممرات الطائرة على إرتفاع 30 ألف قدم عن سطح الأرض.
وشعر الركاب بسعادة بمجرد مشاهدتهم لاسيما وأن البطريقين صغيرا الحجم.
وقال قائد الطائرة فى الإذاعة الداخلية "هل يخاف أحدكم من البطاريق" ، إذا لم يكن لا ، فلدينا لكم مفاجأة" ثم سمح القائد لصاحب البطريقين بإخراجهما وجعلهما يتجولان فى ممرات الطائرة لكن بدون أن يلمسهما احد من الركاب الذين انشغلوا بتصرير البطريقين.
وشعر الركاب بسعادة بمجرد مشاهدتهم لاسيما وأن البطريقين صغيرا الحجم.
وقال قائد الطائرة فى الإذاعة الداخلية "هل يخاف أحدكم من البطاريق" ، إذا لم يكن لا ، فلدينا لكم مفاجأة" ثم سمح القائد لصاحب البطريقين بإخراجهما وجعلهما يتجولان فى ممرات الطائرة لكن بدون أن يلمسهما احد من الركاب الذين انشغلوا بتصرير البطريقين.
المزة
ذهب الليل طلع الفجر .. والشاب أتهور
شاف المزه قالها قشطه .. قالتله قصر
ماما قالتله سيب المزه .. وخليها ف حالها
... .............................. .........
كبر لأمه وعاكس المزه .. أتغزل فى جمالها
راحت المزه مشرشحه أهله .. والشعب ساعدها
وأدى جزات اللى ميسمعشى .. كلمه ماما تقولها
...........
يستاااااااااااهل طبعا
احلام ابيض في ابيض
في المدينة العتيقة , عند اخر الشارع تقيم عائلتين في الدورين الاخير و قبل الاخيرة في عمارة ايلة للسقوط.
هند و هديل هما الحياة النابضة في العمارة , صديقتين منذ الطفولة الاولى , لهما من الذكريات ما يجعل منهما شخصا واحدا ببطاقة تعريف واحدة و دفتر مذكرات واحد.
و حتى ملامحهما تقاربت ,,, نفس الابتسامة نفس الوقفة و حتى الصوت والديهما لا يفرقان بين صوتيهما ; ضحكة عالية و حتى الشجار
كان لهما روح دعابة فريد رغم صغرهما و من الشقاوة ما يصيبهما احيانا بعقاب من المدرسة
في احدى المرات خرجتا من الحصة معا فتبادلتا الثياب و عادتا الى الفصل و غيرتا مقعديهما دون ان تنتبه المعلمة اما الزميلات فاخذن بالضحك حتى لفت الامر انتباه المدرسة فانزلت بهما عقابا لازالتا تتذكرانه و تضحكان
كانت غرفة هند فوق غرفة توامها هديل و بينهما الف اشارة و اشارة لا يفك لغزها احد و لا يكشف مخططاتهما
اليوم هند و هديل في سن العشرين و لم يتغير اي شيء , المدينة العتيقة, اخر الشارع, نفس العمارة و قد فضحت الشقوق و التجاعيد قدمها ,
هند فوق و هديل تحت
هند تحلم بثوب ابيض و هديل بثوب ابيض
احلام يقظة و احلام في جوف الليل , احلام للحياة و احلام بالموت و المشترك بينهما هو لون الحلم, احلام الشابتين ابيض في ابيض
لكن هل الثوب الابيض فستان فرح ام كفن ?
هند و هديل هما الحياة النابضة في العمارة , صديقتين منذ الطفولة الاولى , لهما من الذكريات ما يجعل منهما شخصا واحدا ببطاقة تعريف واحدة و دفتر مذكرات واحد.
و حتى ملامحهما تقاربت ,,, نفس الابتسامة نفس الوقفة و حتى الصوت والديهما لا يفرقان بين صوتيهما ; ضحكة عالية و حتى الشجار
كان لهما روح دعابة فريد رغم صغرهما و من الشقاوة ما يصيبهما احيانا بعقاب من المدرسة
في احدى المرات خرجتا من الحصة معا فتبادلتا الثياب و عادتا الى الفصل و غيرتا مقعديهما دون ان تنتبه المعلمة اما الزميلات فاخذن بالضحك حتى لفت الامر انتباه المدرسة فانزلت بهما عقابا لازالتا تتذكرانه و تضحكان
كانت غرفة هند فوق غرفة توامها هديل و بينهما الف اشارة و اشارة لا يفك لغزها احد و لا يكشف مخططاتهما
اليوم هند و هديل في سن العشرين و لم يتغير اي شيء , المدينة العتيقة, اخر الشارع, نفس العمارة و قد فضحت الشقوق و التجاعيد قدمها ,
هند فوق و هديل تحت
هند تحلم بثوب ابيض و هديل بثوب ابيض
احلام يقظة و احلام في جوف الليل , احلام للحياة و احلام بالموت و المشترك بينهما هو لون الحلم, احلام الشابتين ابيض في ابيض
لكن هل الثوب الابيض فستان فرح ام كفن ?
الحمار الوفي
انا حمار وفي ، اطيع سبدي واصغي اليه ، انحني له اجلال وابجله ، اسمع الكلام
ولا اعترض ، يركب على ظهري ، يذلني ويضرب على قفاي وانا ابتسم ، اذهب الى
زريبتي في الليل وانام بين الاقذار ، واستيقظ في الصباح مستعدا للضرب دون
اعتراض ، فأنا حمار
.
استحمل الاهانة والويل لي لو ابيت ان اطيع ، فعلي ان لا ابالي لو صرخ سيدي وقال ـ هش هش يا جحش يا حمار ، فأنا تعودت على الاهانة ، كما تعود سيدي على شتمي ليل نهار ، احمل الاثقال على ظهري في ايام البرد والحر ، في الجو الممطر والمثلج ، واذا ابيت مصيري وقلت لا ، وضعني سيدي في الزريبة واقفل علي دون اكل ولا ماء ، آكل بقايا من الشعير المعفن ، واغلق فمي وارضى بمصيري ، وما هو مدون ، علي السكوت والطاعة ، رغم ان سيدي ليس افضل مني ، فهو الآخر له اربعة ارجل وذيل ، فهو ايضا حمار .
استحمل الاهانة والويل لي لو ابيت ان اطيع ، فعلي ان لا ابالي لو صرخ سيدي وقال ـ هش هش يا جحش يا حمار ، فأنا تعودت على الاهانة ، كما تعود سيدي على شتمي ليل نهار ، احمل الاثقال على ظهري في ايام البرد والحر ، في الجو الممطر والمثلج ، واذا ابيت مصيري وقلت لا ، وضعني سيدي في الزريبة واقفل علي دون اكل ولا ماء ، آكل بقايا من الشعير المعفن ، واغلق فمي وارضى بمصيري ، وما هو مدون ، علي السكوت والطاعة ، رغم ان سيدي ليس افضل مني ، فهو الآخر له اربعة ارجل وذيل ، فهو ايضا حمار .
تلك الخطوات الخمس
استيقظت في حوالي السابعة صباحاً لأجلس في شرفة منزلنا الجديد وغايتي هي أن أبدد غيوم الإرهاق التي ماانفكت تلاحقني منذ فترة طويلة . فأغلقت عيناي لبرهة وأخذت نفساً عميقاً وأنا أمسك بإحدى الكتب القديمة, وما أن فتحتهما حتى استوقفتني روعة الحديقة الخضراء الواسعة التي يطل عليها المنزل , فبقيت أتابع امتداد الأشجار إلى أن وصلت إلى خط الأفق وأنا أحس بأني أضعت الكثير من الأيام في الماضي لأني لم أمتع نفسي بهكذا صفاء من قبل..
وبينما كنت أفتح الكتاب استرعى انتباهي سيدة وطفل صغير وامرأة مسنة تحمل بيدها عكازاً وجميعهم يقفون على الرصيف المقابل للحديقة وما هي إلا لحظات حتى بدؤوا سيرهم وأنا أراقب المرأة العجوز التي ما كانت تبدأ خمس خطوات حتى تتوقف قليلا لترتاح وتعاود بخمس خطوات جديدة ثم تتوقف , وأخذت تكرر ذلك إلى أن وصلت إلى منتصف الشارع.
وفجأة أخذت تلك السيدة تشد المرأة العجوز من يدها محاولة الإسراع بإبعادها عن السيارات التي كانت كأسود تعدو محاولة الانقضاض على الفرائس البريئة لكن العجوز لم تستطع حتى رفع رجلها. وبأعجوبة مرت السيارات دون أن يصاب أحد من الثلاثة بأي أذى , ورغم الخطوات المتثاقلة إلا أن الجميع وصلوا بسلام إلى رصيف الحديقة وتوقفوا بعد أن كاد قلبي أن يتوقف هو الآخر . لقد كان الرعب واضحاً عليهم والهلع قد استحوذهم , فوقفت السيدة والطفل جانباً , وجلست المرأة العجوز على طرف الرصيف وقد اقترب منهم رجل في متوسط العمر وبيده عصا أعطاها لتلك المرأة العجوز بعد أن تحدث إليهم لبرهة قصيرة ومن ثم أمسك بيد السيدة وسار الثلاثة مبتعدين بظلالهم عن العجوز والعصا القديمة وقد ضنّوا عليها بالذهاب معهم وكأنها عبءٌ ثقيل لا يستطيعون تحمله طيلة الوقت . لم تتوقف خطاهم كذلك نظرات العجوز عن ملاحقتهم حتى بدوا نقاطاً بعيدة في زمن أبعد . فحملت عصاها وبدأت بالخطوات الخمس ثم التوقف وإلى ذلك حتى دخلت الحديقة . وبقيت أتابعها وعيناي ممتلأتين بالدموع .
لاشك أن تلك العصا التي لا تحمل روحاً كانت أحنّ عليها من أولئك البشر . وهذه الحديقة أجمل منزل لمن لا منزل لهم غير جدران من حجر تسكن بينها قلوب لم تعرف الخفقان يوماً .
بقيت أتابع الخطى الخمس كل دقيقة حتى ابتعدت تماماً وبدت كأنها شجرة راحلة بين الأشجار وانتهت حين تلاقت مع الأفق وضاعت فيه ...
إنتحار حائط
شاء القدر أن يكون لذلك الحائط مكانا مرموقا في وسط المدينة لتتلو عليه قصائد الزمن الماضي وكان صوب أعين المتلهفين لما يــُكتب عليه من أشياء مفرحة كزيادة مفردات البطاقة التموينية وزيادة رواتب المتقاعدين .
لكن خطاب الحائط سرعان ما تحوّل إلى سجالات ما بين الكلا ... كلا ... نعم ... نعم... يعيش فلان ... يسقط علان ... سنعدم ... سنفجر ... سنقطع .... أخذ الحائط بالأهتزاز .
حتى جاءت طلقة الرحمة عليه
امطري علينا شيئاً يا سماء!
خرجَ من منـزله ممتعضاً من صدى الأخبار المسمومة .. تمتمَ مُتسائلاً: لماذا
اندلعَتْ هناك كلّ تلكَ النيران المجنونة؟! .. قادته قدماه بعيداً عن ضجيج
المدائن .. أشتعلَ في قلبه الحزن .. ارتقى طريقاً ترابيّاً وأسرع في خطاه ..
لمح فراشةً ملوَّنة بألوان الفرح، تركضُ خلفها فتاة في عمرِ الزهور.. همسَ
للأشجار:
آهٍ .. لو عشنا براءة الأطفال! .. ثمَّ وجّه أنظاره نحو قبّة السماء مناجياً آلهة النار:
لماذا تنهجُ رؤى بعض البشر منهجَ توجيه البشر نحو هاوية الجحيم؟!.. كانت أشجار النخيل واقفةً بشموخ تسمع همساته الحزينة .. الهواء كان نديّاً ومنعشاً .. تناهى إلى مسمعيه خرير المياه الصاعد من عمقِ الوادي .. شعر بغربةٍ داخليّة تهيمنُ على كيانه وراوده أنَّ هذه الغربة كانت حُبلى بأمِّهِ فولدَتْ هاجساً مسربلاً بالقهرِ ومقمَّطاً بأنينِ الحياة! .. ( آهٍ .. يا غربة الإنسان مع أخيه الإنسان ) .. وكفيلمٍ سينمائيّ بدأَ يستعرضُ طفولته المقهورة، شبابه المتوهِّج برحيق الكلمة .. وكهولته المهدورة بالمعاركِ السوداء .. آهٍ .. يا أيَّتها المعارك الظالمة! .. القلق كان يغلِّفه من رأسه حتّى أخمصَ قدميهِ .. كان يفكِّرُ بالأطفالِ والشباب والأشجار المترنِّحةِ والأمَّهات الناحبات والكهول والشيوخ الّذين ترقرقَتْ عيونهم بالدموع .. وآهٍ يا دموع! ..
آلاف الأسئلة تغلي في كيانه الحزين .. هذا الكيان الّذي تجذّرَتْ فيه الآهات .. آهات ملايين البشر الّذين ينتظرون الموت .. آهٍ .. أيَّتها الأسئلة الحارقة الملتصقة في سماوات الروح! .. تتراءى أمامهُ جماجم أصدقائه مهشَّمة ومخضَّبة بالدماء، شعر بقُشَعْريرة حارقة تسري في مسامات جلده. أغمضَ عينيه بيديهِ وحاول أن ينحّي جماجمَ أصدقائه المعفَّرة بالتراب من مخيَّلتهِ، لكنَّه عبثاً لم يستطِعْ، ظلّتْ عالقة في أعماق الذاكرة. كم كان غائصاً بالهموم والإنكسارات! .. تلاشَتْ الأهداف من أمامَه وتحوَّلَت أجملَ الأشياء إلى سراب .. وبدأَتْ رؤاهُ تتأرّجحُ ما بينَ هواجس الخوف من موت الأطفال على قارعة الطرقات، وبين الزنزانات الظالمة الوسيعة الّتي كانت تحكمُ الخناق على رقابِ الملايين من كافّة الجهات! وآهٍ .. ياجهات! وآهٍ .. ياسماء .. أمطري علينا شيئاً يا سماء!
وبينما كانَ سائراً خلال الحقول تعثَّرَتْ خطاه وارتطمَ رأسه بجذعِ شجرة باسقة، فتطايرَت من فمه شرارات من الغضب .. تمتمَ:
اللعنةُ عليكِ أيَّتها الهزائم والإنتصارات .. ثمَّ ردَّدَ بصوتٍ عالٍ: الانتصارات هي وجه من وجوه الهزائم .. والهزائم هي مزيدٌ من الغنائم على حساب رقابِ القوم! .. ( آهٍ .. وألفُ آه ) .. ما جدوى الانتصارات إذا كانت تحملُ بين طيَّاتها هزائمُ بشرٍ آخرين؟ .. الانتصارات على هذا النحو هي إحدى هزائم القرن العشرين .. انّه التطوُّر العقيم .. ( حالة انتقال من واحة خضراء إلى بيداء مكثَّفة بالقحط البشريّ ) .. ما هذا التراجع البغيض الّذي تراه يكتنفُ انساننا اليوم؟!
تابعَ سيره متثاقلاً في خطاه .. ثمّ أرخى جسده المثقل بالكوابيس .. الكوابيس الّتي ولّدتها الحروب الطائشة الظالمة .. أرادَ أن يهربَ من هذا الجوِّ الخانق .. استلقى على ظهرهِ يسمعُ إلى الإيقاعات الّتي تنشدها الضفادع برتابةٍ موصولة .. بعض الضفادعِ كان نقيقها متقطِّعاً ومبحوحاً .. أفكاره متقلِّبة ومشتَّتة .. عيناه زائغتان تمتمَ باغتياظٍ لاعناً الإيديولوجيات القميئة لهؤلاءِ البشرِ الّذين يخطِّطون لموتِ الإنسان .. نهضَ رافعاً يديهِ للسماء قائلاً: أيَّتها الآلهة .. أَلا ترينَ كيف يقودُ بعضُ البشر أبناء جنسهم نحو براكين الهلاك؟ .. يُخيّلُ إليه أحياناً أنَّ الآلهة تغطُّ في سباتٍ عميق تاركةً البشر في مواسم الحصاد تحصدُ بعضها بعضاً .. وأحياناً أخرى ينتابه أنَّ الآلهة لها صبر أيّوب بل أكثر بكثير.
تراكمَتِ المرارات في سقفِ حلْقِهِ، وتصوّر أنّ حياة الإنسان أشبه ماتكون بقصّةٍ خرافيّة نسجها الجان تحت جنحِ الليل. وامتـزجَ في ظلّهِ هاجسِ القلق والخوف من تفاقمِ المستجدات الظالمة ثمَّ توغَّلَ الهاجسُ رويداً .. رويداً في قلبهِ إلى أن استوطنَ على مساحات روحهِ.
كم كان كئيباً ومغموماً .. بدَّدَت الطبيعة همومهُ قليلاً .. كان النسيمُ يداعبُ زقزقةَ العصافير .. أنظاره مشدودة نحوَ زرقة السماء .. وبينما كان غارقاً في أحزانهِ، مرَّ سربٌ من البلابلِ على مقربةٍ منه. شهق شهيقاً عميقاً، متمتِّعاً بالطيور المغرِّدة الّتي كانت تسبحُ بين أحضانِ النسيمِ. قطَعتْهُ من لذّةِ الاستمتاع (رشقة) قويّة من أحدِ البلداء .. وأخذَتِ البلابل تتهاوى على الأرضِ مهيضةُ الأجنحة، مفقوءة العيون، مهروسة اللحم، مخلخلة العظام .. وريشها الملوّن المتطاير يملأ حيّزاً كبيراً من المكان!
ساءَلَ نفسه بقلبٍ منكسر:
لماذا لا يتعلَّمُ الإنسان أغاني الفرح من تغريدِ البلابل وحفيف الأشجار؟ .. لماذا يغوصُ الإنسان في أفانين الحرب ويقضي أغلبَ أيّامه ولياليه لمعرفةِ كيفية تحطيم قلوب الأطفال وهم بين أحضانِ أمّهاتهم؟ .. لماذا يسحقُ بعضهم الزهور ويقتلُ بعضهم الآخر تغريدة الفرح وهي معلَّقة بينَ مناقيرِ الحمام؟
همسَ للريشِ المتطاير قائلاً:
واأسفاه! .. هذه المناهجُ البليدة تتفاقمُ يوماً بعد يوم. جفلَ فجأةً عندما رأى أرنباً برّياً يقفزُ قفزات مديدة وخلفه وحشٌ ضارٍ تقطرُ أنيابه موتاً بغيضاً .. تلمَّسَ خاصرتهُ متناولاً (عفريته) ووجَّهَ فوَّهتهُ نحو هذا الوحش الضاري فتحوَّلَ إلى كتلةٍ هامدة. نظرَ الأرنبُ المذعور خلفه فرأى غريمه مكوَّماً تحتَ شبحِ الموت!
صعدَ الأرنب المرتفعات الجبليّة ثمَّ بدأَ يهبطُ باتجاه الوادي. مبتعداً عن نيران المدائن .. كان ريش البلابل ما يزالُ يتطايرُ فوق أشجارِ النخيلِ يرفضُ الانحدار نحو هاويةِ الموت .. نهضَ يلملمُ أشلاء الطيور المعفّرة ليواريها التراب فوق قممِ الجبال .. وفيما كان على وشكِ الوصول إلى قمّةٍ شاهقة، سمعَ بعض الثعالب تتساءلُ فيما بينها:
لماذا لا نبني علاقة حسن جوار مع الطيور اللذيذة؟
كان محاصراً بالهموم.. فجأةً بدأَ يردِّدُ (انّي وجدتها .. انّي وجدتها) .. جاءته فكرة كومضة سريعة وشعرَ أنَّ هذه الفكرة كانت معلّقة بأذيال الغيوم واستطاع أن يلتقطها رغم كثافةِ الضباب.
وقفَ متأمِّلاً الأفق البعيد، مستعرضاً آخر استنتاجاته وتحليلاته حول الإنسان قائلاً:
بعد التجربة الدورانيّة الطويلة في الحياة، وبعدَ أن ازدادَت سحقاً جماجم الأطفال واليمام تحتَ رايات العفونة البشريّة، تبيَّنَ أن دارون أخفقَ في نظريّته عندما قالَ:\\\" انّ الإنسان كان أصلهُ قرداً، فتطوَّرَ ذلكَ القرد إلى أن وصل ما وصلَ إليه الإنسان بصورته الآدميّة الآن!\\\"
هكذا قال دارون، وأمّا هو فيقول العكس تماماً: حيث يعتبرُ أنَّ القرد كانَ أصله إنساناً قبل أن يكونَ قرداً .. وتطوَّر ذلكَ الإنسان عبر مراحل زمنيّة طويلة جدّاً إلى أن أصبح قرداً بهيئته الآدميّة الآن! .. وإلا فما هذهِ القرودُ البشريّة الّتي تزدادُ يوماً بعدَ يوم، وتتحكّمُ بشكلٍ غوغائي بمصير أغلب البشر المبعثرين على هذا الكوكب السابح بين أحضان السماء!
آهٍ .. لو عشنا براءة الأطفال! .. ثمَّ وجّه أنظاره نحو قبّة السماء مناجياً آلهة النار:
لماذا تنهجُ رؤى بعض البشر منهجَ توجيه البشر نحو هاوية الجحيم؟!.. كانت أشجار النخيل واقفةً بشموخ تسمع همساته الحزينة .. الهواء كان نديّاً ومنعشاً .. تناهى إلى مسمعيه خرير المياه الصاعد من عمقِ الوادي .. شعر بغربةٍ داخليّة تهيمنُ على كيانه وراوده أنَّ هذه الغربة كانت حُبلى بأمِّهِ فولدَتْ هاجساً مسربلاً بالقهرِ ومقمَّطاً بأنينِ الحياة! .. ( آهٍ .. يا غربة الإنسان مع أخيه الإنسان ) .. وكفيلمٍ سينمائيّ بدأَ يستعرضُ طفولته المقهورة، شبابه المتوهِّج برحيق الكلمة .. وكهولته المهدورة بالمعاركِ السوداء .. آهٍ .. يا أيَّتها المعارك الظالمة! .. القلق كان يغلِّفه من رأسه حتّى أخمصَ قدميهِ .. كان يفكِّرُ بالأطفالِ والشباب والأشجار المترنِّحةِ والأمَّهات الناحبات والكهول والشيوخ الّذين ترقرقَتْ عيونهم بالدموع .. وآهٍ يا دموع! ..
آلاف الأسئلة تغلي في كيانه الحزين .. هذا الكيان الّذي تجذّرَتْ فيه الآهات .. آهات ملايين البشر الّذين ينتظرون الموت .. آهٍ .. أيَّتها الأسئلة الحارقة الملتصقة في سماوات الروح! .. تتراءى أمامهُ جماجم أصدقائه مهشَّمة ومخضَّبة بالدماء، شعر بقُشَعْريرة حارقة تسري في مسامات جلده. أغمضَ عينيه بيديهِ وحاول أن ينحّي جماجمَ أصدقائه المعفَّرة بالتراب من مخيَّلتهِ، لكنَّه عبثاً لم يستطِعْ، ظلّتْ عالقة في أعماق الذاكرة. كم كان غائصاً بالهموم والإنكسارات! .. تلاشَتْ الأهداف من أمامَه وتحوَّلَت أجملَ الأشياء إلى سراب .. وبدأَتْ رؤاهُ تتأرّجحُ ما بينَ هواجس الخوف من موت الأطفال على قارعة الطرقات، وبين الزنزانات الظالمة الوسيعة الّتي كانت تحكمُ الخناق على رقابِ الملايين من كافّة الجهات! وآهٍ .. ياجهات! وآهٍ .. ياسماء .. أمطري علينا شيئاً يا سماء!
وبينما كانَ سائراً خلال الحقول تعثَّرَتْ خطاه وارتطمَ رأسه بجذعِ شجرة باسقة، فتطايرَت من فمه شرارات من الغضب .. تمتمَ:
اللعنةُ عليكِ أيَّتها الهزائم والإنتصارات .. ثمَّ ردَّدَ بصوتٍ عالٍ: الانتصارات هي وجه من وجوه الهزائم .. والهزائم هي مزيدٌ من الغنائم على حساب رقابِ القوم! .. ( آهٍ .. وألفُ آه ) .. ما جدوى الانتصارات إذا كانت تحملُ بين طيَّاتها هزائمُ بشرٍ آخرين؟ .. الانتصارات على هذا النحو هي إحدى هزائم القرن العشرين .. انّه التطوُّر العقيم .. ( حالة انتقال من واحة خضراء إلى بيداء مكثَّفة بالقحط البشريّ ) .. ما هذا التراجع البغيض الّذي تراه يكتنفُ انساننا اليوم؟!
تابعَ سيره متثاقلاً في خطاه .. ثمّ أرخى جسده المثقل بالكوابيس .. الكوابيس الّتي ولّدتها الحروب الطائشة الظالمة .. أرادَ أن يهربَ من هذا الجوِّ الخانق .. استلقى على ظهرهِ يسمعُ إلى الإيقاعات الّتي تنشدها الضفادع برتابةٍ موصولة .. بعض الضفادعِ كان نقيقها متقطِّعاً ومبحوحاً .. أفكاره متقلِّبة ومشتَّتة .. عيناه زائغتان تمتمَ باغتياظٍ لاعناً الإيديولوجيات القميئة لهؤلاءِ البشرِ الّذين يخطِّطون لموتِ الإنسان .. نهضَ رافعاً يديهِ للسماء قائلاً: أيَّتها الآلهة .. أَلا ترينَ كيف يقودُ بعضُ البشر أبناء جنسهم نحو براكين الهلاك؟ .. يُخيّلُ إليه أحياناً أنَّ الآلهة تغطُّ في سباتٍ عميق تاركةً البشر في مواسم الحصاد تحصدُ بعضها بعضاً .. وأحياناً أخرى ينتابه أنَّ الآلهة لها صبر أيّوب بل أكثر بكثير.
تراكمَتِ المرارات في سقفِ حلْقِهِ، وتصوّر أنّ حياة الإنسان أشبه ماتكون بقصّةٍ خرافيّة نسجها الجان تحت جنحِ الليل. وامتـزجَ في ظلّهِ هاجسِ القلق والخوف من تفاقمِ المستجدات الظالمة ثمَّ توغَّلَ الهاجسُ رويداً .. رويداً في قلبهِ إلى أن استوطنَ على مساحات روحهِ.
كم كان كئيباً ومغموماً .. بدَّدَت الطبيعة همومهُ قليلاً .. كان النسيمُ يداعبُ زقزقةَ العصافير .. أنظاره مشدودة نحوَ زرقة السماء .. وبينما كان غارقاً في أحزانهِ، مرَّ سربٌ من البلابلِ على مقربةٍ منه. شهق شهيقاً عميقاً، متمتِّعاً بالطيور المغرِّدة الّتي كانت تسبحُ بين أحضانِ النسيمِ. قطَعتْهُ من لذّةِ الاستمتاع (رشقة) قويّة من أحدِ البلداء .. وأخذَتِ البلابل تتهاوى على الأرضِ مهيضةُ الأجنحة، مفقوءة العيون، مهروسة اللحم، مخلخلة العظام .. وريشها الملوّن المتطاير يملأ حيّزاً كبيراً من المكان!
ساءَلَ نفسه بقلبٍ منكسر:
لماذا لا يتعلَّمُ الإنسان أغاني الفرح من تغريدِ البلابل وحفيف الأشجار؟ .. لماذا يغوصُ الإنسان في أفانين الحرب ويقضي أغلبَ أيّامه ولياليه لمعرفةِ كيفية تحطيم قلوب الأطفال وهم بين أحضانِ أمّهاتهم؟ .. لماذا يسحقُ بعضهم الزهور ويقتلُ بعضهم الآخر تغريدة الفرح وهي معلَّقة بينَ مناقيرِ الحمام؟
همسَ للريشِ المتطاير قائلاً:
واأسفاه! .. هذه المناهجُ البليدة تتفاقمُ يوماً بعد يوم. جفلَ فجأةً عندما رأى أرنباً برّياً يقفزُ قفزات مديدة وخلفه وحشٌ ضارٍ تقطرُ أنيابه موتاً بغيضاً .. تلمَّسَ خاصرتهُ متناولاً (عفريته) ووجَّهَ فوَّهتهُ نحو هذا الوحش الضاري فتحوَّلَ إلى كتلةٍ هامدة. نظرَ الأرنبُ المذعور خلفه فرأى غريمه مكوَّماً تحتَ شبحِ الموت!
صعدَ الأرنب المرتفعات الجبليّة ثمَّ بدأَ يهبطُ باتجاه الوادي. مبتعداً عن نيران المدائن .. كان ريش البلابل ما يزالُ يتطايرُ فوق أشجارِ النخيلِ يرفضُ الانحدار نحو هاويةِ الموت .. نهضَ يلملمُ أشلاء الطيور المعفّرة ليواريها التراب فوق قممِ الجبال .. وفيما كان على وشكِ الوصول إلى قمّةٍ شاهقة، سمعَ بعض الثعالب تتساءلُ فيما بينها:
لماذا لا نبني علاقة حسن جوار مع الطيور اللذيذة؟
كان محاصراً بالهموم.. فجأةً بدأَ يردِّدُ (انّي وجدتها .. انّي وجدتها) .. جاءته فكرة كومضة سريعة وشعرَ أنَّ هذه الفكرة كانت معلّقة بأذيال الغيوم واستطاع أن يلتقطها رغم كثافةِ الضباب.
وقفَ متأمِّلاً الأفق البعيد، مستعرضاً آخر استنتاجاته وتحليلاته حول الإنسان قائلاً:
بعد التجربة الدورانيّة الطويلة في الحياة، وبعدَ أن ازدادَت سحقاً جماجم الأطفال واليمام تحتَ رايات العفونة البشريّة، تبيَّنَ أن دارون أخفقَ في نظريّته عندما قالَ:\\\" انّ الإنسان كان أصلهُ قرداً، فتطوَّرَ ذلكَ القرد إلى أن وصل ما وصلَ إليه الإنسان بصورته الآدميّة الآن!\\\"
هكذا قال دارون، وأمّا هو فيقول العكس تماماً: حيث يعتبرُ أنَّ القرد كانَ أصله إنساناً قبل أن يكونَ قرداً .. وتطوَّر ذلكَ الإنسان عبر مراحل زمنيّة طويلة جدّاً إلى أن أصبح قرداً بهيئته الآدميّة الآن! .. وإلا فما هذهِ القرودُ البشريّة الّتي تزدادُ يوماً بعدَ يوم، وتتحكّمُ بشكلٍ غوغائي بمصير أغلب البشر المبعثرين على هذا الكوكب السابح بين أحضان السماء!
الزبّال
جلسنا سوية نرشف قهوتنا العربية الخالصة فمع وجودي هنا في المانيا منذ عشرين
عاما وعندما يأتيني من تربطني به تطلعات ادبية وثقافية اصرّ على تذوّقنا
القهوة العربية فتقوم زوجتي مشكورة بتجهيزها حسب الطريقة المتّبعة في بيتنا
ابا عن جد . نعم جلسنا نتسامر عن الأدب والأدباء وقد سافرنا في عربة العمر
مشوارا ليس بالقصير فكلانا تخطّى الستين ... سألته اين انت من مرتبة الكاتب
وفي اية خانة تصنّف قلمك ؟؟؟ اجابني
في طفولتي عزيزي وفي بلدتي القامشلي وعند حرب 56 طلينا زجاج شبابيكنا باللون الأزرق حتى لا يظهر الضوء الى الخارج فقد كنا نبعد آلاف الكيلومترات عن جبهة مصر ولكن الأحتراز العربي املى علينا ان نأخذ الحيطة ولا نترك للعدو الصهيوني آنذاك ان يتسلل من اية فجوة خاطئة في التكتيك العربي .
ظل هذا الزجاج سنوات طويلة حتى كبرنا وهو باللون الأزرق نكتب عليه امنياتنا ... ولما كبرت أشارت لي جدتي عن امنية ان اكتبها وسألتني أكتب ماذا تريد ان تصير عندما تكبر ..... كتبت زبّال
وبعد الكبر وبعد سفرة العمر الطويلة .... وبعد الألم من هو الزبّال ؟؟؟؟؟ الذي يمسك بالمقشّة وينظّف الشارع من كل ما يفسد جماله وبهجته وهو مكلّف بهذا العمل من أجل نظافة الشارع وبالتالي يخرج المواطن الى عمله في الصباح ويرى كلّ شيء جميلا .
صحيح ان الأوساخ لا يستطيع امرء ان يجمعها كلّها ولكن أصحاب القلم يجب ان يتابعوا ذلك ... فالكاتب هو نفس الوظيفة .
وفي لحظة اكتشفت انني هو ... ولكن يا عزيزي هو ناجح ... وانا فاشل
الزبّال الأمين وصاحب الضمير الحي يمكنه ان يخلّص الشارع مما يفسده
ونظرت الى نفسي والى ما اكتب واين هو من فعل هذا الزبّال .... وانا هو هذا الزبال ولكن لم ننجح في كل هذه الأعوام ويلزمنا الكثير والكثير الى ان نصل الى درجة قريبة من ....... الزبّال
نظرنا الى بعضنا البعض واكواب القهوة فارغة في ايدينا تنتظر من يجمعها ..... هذه هي حكايتنا ايها الزبالين .
في طفولتي عزيزي وفي بلدتي القامشلي وعند حرب 56 طلينا زجاج شبابيكنا باللون الأزرق حتى لا يظهر الضوء الى الخارج فقد كنا نبعد آلاف الكيلومترات عن جبهة مصر ولكن الأحتراز العربي املى علينا ان نأخذ الحيطة ولا نترك للعدو الصهيوني آنذاك ان يتسلل من اية فجوة خاطئة في التكتيك العربي .
ظل هذا الزجاج سنوات طويلة حتى كبرنا وهو باللون الأزرق نكتب عليه امنياتنا ... ولما كبرت أشارت لي جدتي عن امنية ان اكتبها وسألتني أكتب ماذا تريد ان تصير عندما تكبر ..... كتبت زبّال
وبعد الكبر وبعد سفرة العمر الطويلة .... وبعد الألم من هو الزبّال ؟؟؟؟؟ الذي يمسك بالمقشّة وينظّف الشارع من كل ما يفسد جماله وبهجته وهو مكلّف بهذا العمل من أجل نظافة الشارع وبالتالي يخرج المواطن الى عمله في الصباح ويرى كلّ شيء جميلا .
صحيح ان الأوساخ لا يستطيع امرء ان يجمعها كلّها ولكن أصحاب القلم يجب ان يتابعوا ذلك ... فالكاتب هو نفس الوظيفة .
وفي لحظة اكتشفت انني هو ... ولكن يا عزيزي هو ناجح ... وانا فاشل
الزبّال الأمين وصاحب الضمير الحي يمكنه ان يخلّص الشارع مما يفسده
ونظرت الى نفسي والى ما اكتب واين هو من فعل هذا الزبّال .... وانا هو هذا الزبال ولكن لم ننجح في كل هذه الأعوام ويلزمنا الكثير والكثير الى ان نصل الى درجة قريبة من ....... الزبّال
نظرنا الى بعضنا البعض واكواب القهوة فارغة في ايدينا تنتظر من يجمعها ..... هذه هي حكايتنا ايها الزبالين .
حوار مع حمار
أثناء زيارته لبلدة جبلية نائية وجد حمارا يتجول بين الحقول.. بدت على الحمار
علامات الصمت، وقف مكانه بهدوء، ودونما خوف من سماع وقع أقدام أحد الغرباء وهي تدق
الدرب غير بعيد عن مكان وقوفه، تحت شجرة زيتون ضربت جذورها عميقا في الأرض.. لم
ينزعج الحمار من وجود الزائر على مقربة منه. لوح بذيله كثيراً، يبدو إنها إشارة
ترحيب وحسن نية.. أما زائر البلدة القادم من المدينة الكبيرة، والذي تنقصه الخبرة
بالحيوانات الأليفة وغير الأليفة. تعامل مع الأمر بشكل عادي، فلم تظهر عليه عند
الاقتراب من الحمار، علامات الخشية من رفسة أو ما شابه ذلك.
أمعن المدني النظر في الحمار، وكذلك فعل الحمار مع المدني.. ثم فجأة وبعد مرور دقائق فقط تذكر الزائر المدني أنه لم يمتط في حياته ولو مرة واحدة حمارا او حصانا، باستثناء ركوبه في احد الأعياد مع أولاد الحارة عربة " طنبر" جرها جحش أو بغل كهل.. لم يعد يتذكر بالضبط متى وكيف.. لكن عربة العم أبو مرعي الذي عمل لكسب العيش في مدينة لا ترحم الغرباء والفقراء ظلت حاضرة في ذهنه. إذ كانت تجوب الشارع ذهابا وإياب طوال اليوم.
بينما طال توقف المدني الزائر مع ذكرياته، أخذ الحمار يحدث نفسه فقال: صاحبنا المدني لا يعرف ما الذي يميز الجحش عن البغل ، ورغم هذا سيغامر بالركوب على ظهري ، ظهري أنا ، الحمار المتمرد، الشارد من أصحابه، في قرية جبلية، بعيدة ، نائية، حيث لا أنس ولا جن.
لم يفكر الزائر المدني أكثر مما فكر خلال تلك الدقائق الطويلة، ودونما تردد قرر أن يركب على ظهر حمار غريب، تصادف وجوده على الطريق الجبلي. جمع قواه وحشد إيمانه قبل ان يضع رجله على سرج الحمار.. ثم قفز فوجد نفسه دون عناء فوق ظهر الحمار، الذي أبدى تفهمه لرغبة الضيف، بالرغم من عدم استئذانه بذلك.
استغرب المدني عدم اعتراض الحمار على الطريقة التي امتطي بها من قبله.. ولم يدر هل انه محظوظ أم أن هذا الحمار أحمر من بقية الحمير التي سمع وقرأ عنها.. فلحسن حظه في ذاك اليوم، ان الحمار الهارب من العتالة والأثقال والأشغال الشاقة، لم يبد مقاومة، ولم يرفض حمله على ظهره المتعب.
فرح الحمار البلدي بلقاء الحمار الآدمي..وسعد بلقاء هذا الرجل الخام، تماما كما سعد المدني بدوره بتفهم الحمار له وبرغبته وتعاونه معه..أمسك المدني بحبل شد إلى سرج وربط بإحكام حول عنق الحمار.. شده صائحا: حا ..
فتحرك الحمار إلى الأمام بعدما أجابه: آ
جواب الحمار أحدث مفاجأة لم يعرف معها المدني كيف يتصرف..
هذا الزائر الذي لا يفهم لغة الحمير الجبلية، إذ أنه طوال عمره عاش مع حمير آدمية مدنية، ناطقة، تتكلم لغة مفهومة وأخرى غير مفهومة استطاع أن يفك طلاسمها مع مرور الأيام...
حدث المدني نفسه متسائلا:
هل هذا حمار يتحدث العربية أم انه حمار لا يجيد سوى قول آ ؟
ثم فكر بينه وبين نفسه، لما لا أختبره بطريقة أخرى، فبدلا من حا ، سأقول له دي ..
فرح بما جاءت به عبقريته وبسرعة إيجاده الطريقة التي يمكن عبرها كشف سرّ هذا الحمار.
وأصبح الآن راغباً بمحادثة الحمار، بالرغم من تسرب الخوف والوساوس إلى رأسه وتفكيره..فقد تكون ركبته العفاريت أو سكنه الجان.
يجب عليه أولا أن يدعه يتمهل، فالحمار يسير سعيدا بما على ظهره من حمل بشري عابر وغير مقيم، حمل ليس ثقيلا ، وآمر لا يعرف قيادة الحمير ولا يفقه لغتهم. فليس كل حمار حيوان غير ناطق وليس كل إنسان حيوان ناطق.
قال الزائر للحمار السائر بعد شدّ الحبل من جديد: دي
رد الحمار فوراً: وي
تعجب صاحبنا، وقال : أنه يجيد أيضا الفرنسية !
يا لها من مفاجأة سارة ، حلمت طويلا بتعلم اللغة الفرنسية ، ولم يكن بمقدوري إيجاد من يعلمني ، فهل سأتعلمها من حمار؟ لا بأس فليكن ، إنها فرصتي للتعلم والاستفادة.. خاصة بعدما حضرته فورا بعض ذكرياته على رصيف الشارع المؤدي إلى مدرسة البنات ، وتذكر ترديده مثل الببغاء على مسامع الصبايا والطالبات بضع كلمات فرنسية مثل ، ، بونجور، بونسوار ، تيام مورا مور ، كاس كاسيه مدام، ميرسي وكذلك رانديفو.. كلمات تعلمها في زمن التسكع الشبابي بالقرب من مدارس البنات، وكذلك في مرحلة الدراسة الثانوية.
قال : هذا كان زمان..
معه حق.. فهو الآن أمام معضلة، أمام لغز يجب حله..
هل هذا الحمار فعلا يتحدث الفرنسية ؟
وهل هو فعلا حمار عربي ام انه حمار أممي يتقن العربية ؟
وهل يتحدث مثل كل العرب الفصحى والعامية؟
هكذا بدا صاحبنا، وأخذ يردد في قرارة نفسه أسئلة منوعة وكلمات غريبة..
ويقول : قد أكون في حلم، لم لا يحلم المرء وهو يمتطي ظهر حمار بعدما عزت الخيول في بلاده المترامية الأطراف؟
قرر المدني اختبار الحمار للمرة الثالثة على التوالي ليعرف ان كان في حلم أم علم.. فقال له : دي
وبسرعة البرق سمع جوابا يقول : سي
يا الله انه يجيد اللغة الطليانية كذلك
ما هذا الحمار العبقري ؟
انه أذكى من كثيرين من بني البشر .. يجيد لغات عديدة ، يرد على المفردة بمثلها وعلى وزنها ، حمار شاعر وبمشاعر، حمار من أهل الدار ، حمار لم يستسلم لهزائم محيطه وخراب عالمه، متحدث لبق، يبني كلامه وفق التقويم المحلي، كما انه يتحدث بأممية جليّة و صريحة، عكس أممية أصحاب معسكر أممي سابق، حمار قال انه يحب السير تحت المطر ولا يحمل مظلة حين تمطر الدنيا في بلاد الحلفاء... حمار منفتح، عقلاني، واقعي، يؤمن بحتمية التحرر من ديكتاتورية الفلاحين والمزارعين، حيث استعبد طوال حياته..
بعد سماع ذلك ظن المدني أن هذا الحمار شيوعي وصاحب أفكار يسارية و ميول ثورية.. واضح انه لا يحب الإقطاعيين، قد يكون قرأ المادية، النظرية العلمية،الدياليكتيك ، ومجتمع السعادة..أظن انه يؤمن بضرورة الكفاح لأجل الحرية وديمومة الحياة بكرامة، وأظن أيضاً أنه يعلم ان الحياة وقفة عِزْ ..
يا له من حمار ذكي، نسيت بعد كل هذا الخلط انه أجابني بالطليانية، فعندما قلت له دي أجابني سي ، وهذه كلمة إيطالية، من اللغة التي يجيدها الأخوان اللذان شيدا برج الحمارين في مدينة بولونيا وسط ايطاليا؟
ترى هل يعرف هذا الحمار لغات أخرى.. يجب ان اختبره، فأنا أجيد بعض الكلمات باللغات السلافية، سأجرب معه اللغة الروسية علّه يعرفها.
قلت له : حا
أجابني مرة واحدة : دا
يا له من عبقري ! حسنا ، سأجرب أن أوقفه بالعامية..
قلت له: هِشْ
قال لي: فِشْ
يا لهذا الحمار الموسوعة،ردوده جاهزة ولسانه فصيح
ماذا افعل معه الآن ؟
سأطلب منه ان يتوقف ونجلس معا للحديث في أمور الحياة والدنيا.
طلبت وكان لي ما أردت
لكنه بادرني بالسؤال
ما هي أخبار المدينة؟
قلت لا جديد في المدينة ، هي كما هي بدون تغيير نحو الأفضل ، الأخلاق فسدت والبيئة دمرت والبشر أصبحوا أكثر مادية.
ما هي أخبار الحمير في بلادكم ؟
يقال وأنا لا أجزم لأنني عديم الخبرة بالحمير، أنهم الآن أكثر وعيا وحنكة ،حيث تمرسوا في العمل والحياة ومنهم من تفوق على البشر..
إلى أين تتجه ؟
لست ادري ..
هل تريد العودة من حيث جئت ؟
نعم .. أرجو ان نعود الى حيث موضع اللقاء لأنني اشعر بالدوار..
لنعد يا صديقي الآدمي .
نعم لنعد يا صديقي الأممي..
أمعن المدني النظر في الحمار، وكذلك فعل الحمار مع المدني.. ثم فجأة وبعد مرور دقائق فقط تذكر الزائر المدني أنه لم يمتط في حياته ولو مرة واحدة حمارا او حصانا، باستثناء ركوبه في احد الأعياد مع أولاد الحارة عربة " طنبر" جرها جحش أو بغل كهل.. لم يعد يتذكر بالضبط متى وكيف.. لكن عربة العم أبو مرعي الذي عمل لكسب العيش في مدينة لا ترحم الغرباء والفقراء ظلت حاضرة في ذهنه. إذ كانت تجوب الشارع ذهابا وإياب طوال اليوم.
بينما طال توقف المدني الزائر مع ذكرياته، أخذ الحمار يحدث نفسه فقال: صاحبنا المدني لا يعرف ما الذي يميز الجحش عن البغل ، ورغم هذا سيغامر بالركوب على ظهري ، ظهري أنا ، الحمار المتمرد، الشارد من أصحابه، في قرية جبلية، بعيدة ، نائية، حيث لا أنس ولا جن.
لم يفكر الزائر المدني أكثر مما فكر خلال تلك الدقائق الطويلة، ودونما تردد قرر أن يركب على ظهر حمار غريب، تصادف وجوده على الطريق الجبلي. جمع قواه وحشد إيمانه قبل ان يضع رجله على سرج الحمار.. ثم قفز فوجد نفسه دون عناء فوق ظهر الحمار، الذي أبدى تفهمه لرغبة الضيف، بالرغم من عدم استئذانه بذلك.
استغرب المدني عدم اعتراض الحمار على الطريقة التي امتطي بها من قبله.. ولم يدر هل انه محظوظ أم أن هذا الحمار أحمر من بقية الحمير التي سمع وقرأ عنها.. فلحسن حظه في ذاك اليوم، ان الحمار الهارب من العتالة والأثقال والأشغال الشاقة، لم يبد مقاومة، ولم يرفض حمله على ظهره المتعب.
فرح الحمار البلدي بلقاء الحمار الآدمي..وسعد بلقاء هذا الرجل الخام، تماما كما سعد المدني بدوره بتفهم الحمار له وبرغبته وتعاونه معه..أمسك المدني بحبل شد إلى سرج وربط بإحكام حول عنق الحمار.. شده صائحا: حا ..
فتحرك الحمار إلى الأمام بعدما أجابه: آ
جواب الحمار أحدث مفاجأة لم يعرف معها المدني كيف يتصرف..
هذا الزائر الذي لا يفهم لغة الحمير الجبلية، إذ أنه طوال عمره عاش مع حمير آدمية مدنية، ناطقة، تتكلم لغة مفهومة وأخرى غير مفهومة استطاع أن يفك طلاسمها مع مرور الأيام...
حدث المدني نفسه متسائلا:
هل هذا حمار يتحدث العربية أم انه حمار لا يجيد سوى قول آ ؟
ثم فكر بينه وبين نفسه، لما لا أختبره بطريقة أخرى، فبدلا من حا ، سأقول له دي ..
فرح بما جاءت به عبقريته وبسرعة إيجاده الطريقة التي يمكن عبرها كشف سرّ هذا الحمار.
وأصبح الآن راغباً بمحادثة الحمار، بالرغم من تسرب الخوف والوساوس إلى رأسه وتفكيره..فقد تكون ركبته العفاريت أو سكنه الجان.
يجب عليه أولا أن يدعه يتمهل، فالحمار يسير سعيدا بما على ظهره من حمل بشري عابر وغير مقيم، حمل ليس ثقيلا ، وآمر لا يعرف قيادة الحمير ولا يفقه لغتهم. فليس كل حمار حيوان غير ناطق وليس كل إنسان حيوان ناطق.
قال الزائر للحمار السائر بعد شدّ الحبل من جديد: دي
رد الحمار فوراً: وي
تعجب صاحبنا، وقال : أنه يجيد أيضا الفرنسية !
يا لها من مفاجأة سارة ، حلمت طويلا بتعلم اللغة الفرنسية ، ولم يكن بمقدوري إيجاد من يعلمني ، فهل سأتعلمها من حمار؟ لا بأس فليكن ، إنها فرصتي للتعلم والاستفادة.. خاصة بعدما حضرته فورا بعض ذكرياته على رصيف الشارع المؤدي إلى مدرسة البنات ، وتذكر ترديده مثل الببغاء على مسامع الصبايا والطالبات بضع كلمات فرنسية مثل ، ، بونجور، بونسوار ، تيام مورا مور ، كاس كاسيه مدام، ميرسي وكذلك رانديفو.. كلمات تعلمها في زمن التسكع الشبابي بالقرب من مدارس البنات، وكذلك في مرحلة الدراسة الثانوية.
قال : هذا كان زمان..
معه حق.. فهو الآن أمام معضلة، أمام لغز يجب حله..
هل هذا الحمار فعلا يتحدث الفرنسية ؟
وهل هو فعلا حمار عربي ام انه حمار أممي يتقن العربية ؟
وهل يتحدث مثل كل العرب الفصحى والعامية؟
هكذا بدا صاحبنا، وأخذ يردد في قرارة نفسه أسئلة منوعة وكلمات غريبة..
ويقول : قد أكون في حلم، لم لا يحلم المرء وهو يمتطي ظهر حمار بعدما عزت الخيول في بلاده المترامية الأطراف؟
قرر المدني اختبار الحمار للمرة الثالثة على التوالي ليعرف ان كان في حلم أم علم.. فقال له : دي
وبسرعة البرق سمع جوابا يقول : سي
يا الله انه يجيد اللغة الطليانية كذلك
ما هذا الحمار العبقري ؟
انه أذكى من كثيرين من بني البشر .. يجيد لغات عديدة ، يرد على المفردة بمثلها وعلى وزنها ، حمار شاعر وبمشاعر، حمار من أهل الدار ، حمار لم يستسلم لهزائم محيطه وخراب عالمه، متحدث لبق، يبني كلامه وفق التقويم المحلي، كما انه يتحدث بأممية جليّة و صريحة، عكس أممية أصحاب معسكر أممي سابق، حمار قال انه يحب السير تحت المطر ولا يحمل مظلة حين تمطر الدنيا في بلاد الحلفاء... حمار منفتح، عقلاني، واقعي، يؤمن بحتمية التحرر من ديكتاتورية الفلاحين والمزارعين، حيث استعبد طوال حياته..
بعد سماع ذلك ظن المدني أن هذا الحمار شيوعي وصاحب أفكار يسارية و ميول ثورية.. واضح انه لا يحب الإقطاعيين، قد يكون قرأ المادية، النظرية العلمية،الدياليكتيك ، ومجتمع السعادة..أظن انه يؤمن بضرورة الكفاح لأجل الحرية وديمومة الحياة بكرامة، وأظن أيضاً أنه يعلم ان الحياة وقفة عِزْ ..
يا له من حمار ذكي، نسيت بعد كل هذا الخلط انه أجابني بالطليانية، فعندما قلت له دي أجابني سي ، وهذه كلمة إيطالية، من اللغة التي يجيدها الأخوان اللذان شيدا برج الحمارين في مدينة بولونيا وسط ايطاليا؟
ترى هل يعرف هذا الحمار لغات أخرى.. يجب ان اختبره، فأنا أجيد بعض الكلمات باللغات السلافية، سأجرب معه اللغة الروسية علّه يعرفها.
قلت له : حا
أجابني مرة واحدة : دا
يا له من عبقري ! حسنا ، سأجرب أن أوقفه بالعامية..
قلت له: هِشْ
قال لي: فِشْ
يا لهذا الحمار الموسوعة،ردوده جاهزة ولسانه فصيح
ماذا افعل معه الآن ؟
سأطلب منه ان يتوقف ونجلس معا للحديث في أمور الحياة والدنيا.
طلبت وكان لي ما أردت
لكنه بادرني بالسؤال
ما هي أخبار المدينة؟
قلت لا جديد في المدينة ، هي كما هي بدون تغيير نحو الأفضل ، الأخلاق فسدت والبيئة دمرت والبشر أصبحوا أكثر مادية.
ما هي أخبار الحمير في بلادكم ؟
يقال وأنا لا أجزم لأنني عديم الخبرة بالحمير، أنهم الآن أكثر وعيا وحنكة ،حيث تمرسوا في العمل والحياة ومنهم من تفوق على البشر..
إلى أين تتجه ؟
لست ادري ..
هل تريد العودة من حيث جئت ؟
نعم .. أرجو ان نعود الى حيث موضع اللقاء لأنني اشعر بالدوار..
لنعد يا صديقي الآدمي .
نعم لنعد يا صديقي الأممي..
ساقي
لحسن حظه أنه وحده دون شركاء في المنزل .. فسكان بقية الغرف غادروا صبيحة هذا اليوم
المشمس إلى السوق للتبضع .. لذا وجدها فرصة،حيث قال بينه وبين نفسه أنها اللحظة
الأفضل كي يلوذ منهم بقليل من النوم ..
نام وفي نيته ان يرتاح قليلا مما عاناه في العمل ومما رآه في أحد الأفلام الهمجية الهوليودية..
لكن الكوابيس فاجأته في عز الظهر، وأرته نجوم الظهر كما يقولون ..
ففي نومه او حلمه وجد نفسه دون إحدى ساقيه.. رأى نفسه بلا ساق .. لم يصدق ما رآه وكيف حصل ذلك ومتى وأين ولماذا ..
أخذ يركض على ساق واحدة كأنه إنسان غير كل البشر.. خاف من نفسه وعلى نفسه ..
لا يتذكر كيف حصلت تلك المصيبة . كل ما يتذكره أنه رأى نفسه بدون ساق فأخذ يركض ويصرخ بصوت عالي : آه .. ساقي .. ضاعت ساقي .. راحت ساقي .. فقدتها وفقدت القدرة على الركض .
لم يلفت انتباهه أنه كان يركض على ساقيه وهو يصرخ مطالبا بساقه .. ولم يشعر بالألم ولم ير الدماء. لكنه كان متأكدا من فقدانه الساق.. لقد دخل في حالة رعب وهلع أو في حالة جنون وصرع . كل ما كان يسمعه هو صراخه :
ساقي !
أضعتها..
ترى هل أضاعها حيث ضاعت أحلامه الأولى ... وهل فقدها يوم فقد مدينته وجيرانه والمدرسة والحارة وأجمل قميص أهدته له والدته في يوم عيد ميلاده.. كان قرر النوم لأجل أن يحلم بعصافير تزقزق وطيور تغرد وحوريات ينثرن الورد وجميلات يسقينه شراب الحب من ثمار الفردوس. نام كي يلتقي بشهرزاد لتقص عليه بعض قصص الحب العذري.. كان مولعاً بالغراميات التي لم يعرفها سوى من القصص والحكايات. فهو لم يعلق في شباك حب ولم يلفت انتباهه ما يمسك به من قلبه.
كان صبيا هادئا وفتىً ذو توجهات مدرسية ، يختلف عن أقرانه في الحارة والمدرسة. لم يكره الحرب لأنها فرضت على شعبه،ولكنه بنفس الوقت لا يخفي رغبته بذهابها بلا رجعة. فهي كالنار المستعرة تلتهم وتحرق كل من يقع في دائرتها. وهي التي أخذت بعض زملائه وجيرانه . كما أنها قد تكون السبب في بتر ساق جارهم الحاج.
كان مع أقرانه من الأطفال يتجمدون خوفا من الحاج،إذ اعتبروه رجلا مخيفا لأنه بلا ساق ، كانوا لا يفهمون أسراره حين يرونه يوم بساقين اثنتين ويوم آخر بساق واحدة. وكانوا يتناقشون ويسألون بعضهم ويحللون ويجيبون على هواهم..
أما الحاج المثقل بهموم ساقه الاصطناعية ومشقة السير بها في الصيف الحار،حيث عادة ما تكون درجات الحرارة مرتفعة والرطوبة مزعجة. مما يجعل احتكاك ساقه المبتورة بأطراف الساق الصناعية أمرا مؤلما يتسبب بالأوجاع وبالجراح في كثير من الأحيان،بحيث لا يعود الحاج يقدر على استعمال ساقه الصناعية بل يضطر مجبرا للسير بدونها ، والظهور خارج منزله بساق واحدة، لكن بمساعدة عكازين صنعا خصيصا لمثل تلك الحالات.
هل أضعت شيئاً ما يا عزيزي ؟
جاءه الصوت من الممر الضيق الذي يقع بين غرفته والصالون المشترك لسكان المبنى الصغير. لم يعرف هل السائل جاء من الخارج أم أنه جزء من كابوسه اللعين. خاصة انه ظهر أمامه بعكازه الخيزراني، ونظر في بياض عينيه من بعيد.
للوهلة الأولى ظن أن هذا الرجل هو الحاج نفسه ، يقف أمامه على ساق صناعية وعصاً معدنية. لم يعد بعد سنوات الغربة الطويلة يتذكر بالضبط شكل وهيئة الحاج. لكن الرجل الذي يتحدث إليه أشبه ما يكون بحاج طفولته. نفس الوقفة ونفس اللحية ونفس الشارب ونفس ثنية الساق وضخامة الركبة. ونفس العصا الخيزرانية التي كان يستعملها الحاج. إذن هو هنا هذا الذي تعب وتحمل وصبر كي لا يخرج في كثير من الأحيان من منزله بدون ساقه الصناعية... انه الحاج من جديد ويبدو انه على خير ما يرام. وبساقين مثل كل الناس. هو مثل الجميع أما أنا فقد أصبحت مثله في الزمن السابق . بلا ساقي ، تلك التي ذهبت كمن ذهب ولم يعد..
كان يتمتم بتلك الكلمات حين جاءه صوت الحاج :
- هي ليست أكثر من ساق من لحم ودم وعظم. وأنت لست الأول ولا الأخير في هذا العالم الذي تصلح تسميته عالم بلا سيقان..
- كيف يمكن للمرء أن يسير على ساق واحدة ؟ أنا شخصيا لا أفهم ذلك وأجد صعوبة في الإجابة على السؤال.
ولكي يخفف عنه عبء الإجابة قال له الحاج :
الإنسان حين يفقد ساقه او عضو من أعضائه عليه الصمود والتحلي بالصبر وفولذة الإرادة. لأن العضو المبتور يذهب ولا يعود بينما الإنسان يبقى إلى أن يموت. وفي تلك الفترة يجب عليه ان يتعلم الحياة من جديد، والسير من جديد. وان لا يجد في نفسه أية فوارق عن الآخرين. لأن تصنيف النفس خارج المجموع في تلك الحالة يجعل الإنسان في خبر كان. ويجعل ثقة الشخص بنفسه مهزوزة وضعيفة. مما يؤثر على كافة مسارات حياته. عليك ان تقبل بالواقع الجديد وتتحداه وتمضي في مشوارك بهمة وعزم وجرأة.
استمع لنصائح وإرشادات وخبرة الحاج وهو يمشي إلى جانبه كل على عكازاته.. وفي لحظة عابرة جمع قواه وسأل الحاج عن سر بتر ساقه. فرد عليه الحاج وهو مبتسم: كنت صيادا أصيد السمك في البحر.. وذات يوم اقتربت من زورقي الصغير سفينة كبيرة كانت تعج بالقراصنة الغرباء الذي وصلوا إلى بحرنا ونزلوا برنا فيما بعد. بأشكالهم وهيئاتهم المخيفة التي تثير الرعب. طلبوا مني ان أكون دليلهم على الساحل. وافقت مجبرا وخوفا من زعيمهم الذي كان بساق واحدة خشبية. وبعين واحدة وضع فوقها لفافة سوداء. عندما وصلنا الشاطئ حدثت جلبة وإطلاق نار وفوضى وفجأة وجدت نفسي مصاباً وبدون ساقي.
صحوت فيما بعد على نفسي في غرفة بيضاء في المستشفى حيث كانت تتم معالجتي. بعد ان شفيت عدت الى البحر ، الى الحارة القديمة وبقيت هناك حتى توفاني الله وأحضرتني الملائكة الى هذا المكان. حيث يتم جمع الموتى الذين فقدوا أطرافهم في الحياة.
ماذا توفاك الله؟ موتى ومكان لل..
نعم توفاني الله! ومكان لل ..
بقدرة قادر في تلك اللحظة انتفض صاحبنا مرعوبا من الهلع،حيث ظن انه قد مات بعدما بترت ساقه.. ولكنه وجد نفسه فوق سريره يلهث ويكاد يختنق . فتناول على عجل كأس الماء الذي فوق الطاولة الصغيرة بالقرب من سريره.. شرب كل ما كان فيه.. وبعد أن هدأ قليلا .. تحسس ساقه فوجدها في مكانها وفعل الشيء نفسه مع الأخرى حيث وجدها أيضاً مكانها.. ضحك من نفسه .. لكنه لم يعد للنوم ، ارتدى ملابسه وخرج يتمتع بالشمس خارج المنزل
نام وفي نيته ان يرتاح قليلا مما عاناه في العمل ومما رآه في أحد الأفلام الهمجية الهوليودية..
لكن الكوابيس فاجأته في عز الظهر، وأرته نجوم الظهر كما يقولون ..
ففي نومه او حلمه وجد نفسه دون إحدى ساقيه.. رأى نفسه بلا ساق .. لم يصدق ما رآه وكيف حصل ذلك ومتى وأين ولماذا ..
أخذ يركض على ساق واحدة كأنه إنسان غير كل البشر.. خاف من نفسه وعلى نفسه ..
لا يتذكر كيف حصلت تلك المصيبة . كل ما يتذكره أنه رأى نفسه بدون ساق فأخذ يركض ويصرخ بصوت عالي : آه .. ساقي .. ضاعت ساقي .. راحت ساقي .. فقدتها وفقدت القدرة على الركض .
لم يلفت انتباهه أنه كان يركض على ساقيه وهو يصرخ مطالبا بساقه .. ولم يشعر بالألم ولم ير الدماء. لكنه كان متأكدا من فقدانه الساق.. لقد دخل في حالة رعب وهلع أو في حالة جنون وصرع . كل ما كان يسمعه هو صراخه :
ساقي !
أضعتها..
ترى هل أضاعها حيث ضاعت أحلامه الأولى ... وهل فقدها يوم فقد مدينته وجيرانه والمدرسة والحارة وأجمل قميص أهدته له والدته في يوم عيد ميلاده.. كان قرر النوم لأجل أن يحلم بعصافير تزقزق وطيور تغرد وحوريات ينثرن الورد وجميلات يسقينه شراب الحب من ثمار الفردوس. نام كي يلتقي بشهرزاد لتقص عليه بعض قصص الحب العذري.. كان مولعاً بالغراميات التي لم يعرفها سوى من القصص والحكايات. فهو لم يعلق في شباك حب ولم يلفت انتباهه ما يمسك به من قلبه.
كان صبيا هادئا وفتىً ذو توجهات مدرسية ، يختلف عن أقرانه في الحارة والمدرسة. لم يكره الحرب لأنها فرضت على شعبه،ولكنه بنفس الوقت لا يخفي رغبته بذهابها بلا رجعة. فهي كالنار المستعرة تلتهم وتحرق كل من يقع في دائرتها. وهي التي أخذت بعض زملائه وجيرانه . كما أنها قد تكون السبب في بتر ساق جارهم الحاج.
كان مع أقرانه من الأطفال يتجمدون خوفا من الحاج،إذ اعتبروه رجلا مخيفا لأنه بلا ساق ، كانوا لا يفهمون أسراره حين يرونه يوم بساقين اثنتين ويوم آخر بساق واحدة. وكانوا يتناقشون ويسألون بعضهم ويحللون ويجيبون على هواهم..
أما الحاج المثقل بهموم ساقه الاصطناعية ومشقة السير بها في الصيف الحار،حيث عادة ما تكون درجات الحرارة مرتفعة والرطوبة مزعجة. مما يجعل احتكاك ساقه المبتورة بأطراف الساق الصناعية أمرا مؤلما يتسبب بالأوجاع وبالجراح في كثير من الأحيان،بحيث لا يعود الحاج يقدر على استعمال ساقه الصناعية بل يضطر مجبرا للسير بدونها ، والظهور خارج منزله بساق واحدة، لكن بمساعدة عكازين صنعا خصيصا لمثل تلك الحالات.
هل أضعت شيئاً ما يا عزيزي ؟
جاءه الصوت من الممر الضيق الذي يقع بين غرفته والصالون المشترك لسكان المبنى الصغير. لم يعرف هل السائل جاء من الخارج أم أنه جزء من كابوسه اللعين. خاصة انه ظهر أمامه بعكازه الخيزراني، ونظر في بياض عينيه من بعيد.
للوهلة الأولى ظن أن هذا الرجل هو الحاج نفسه ، يقف أمامه على ساق صناعية وعصاً معدنية. لم يعد بعد سنوات الغربة الطويلة يتذكر بالضبط شكل وهيئة الحاج. لكن الرجل الذي يتحدث إليه أشبه ما يكون بحاج طفولته. نفس الوقفة ونفس اللحية ونفس الشارب ونفس ثنية الساق وضخامة الركبة. ونفس العصا الخيزرانية التي كان يستعملها الحاج. إذن هو هنا هذا الذي تعب وتحمل وصبر كي لا يخرج في كثير من الأحيان من منزله بدون ساقه الصناعية... انه الحاج من جديد ويبدو انه على خير ما يرام. وبساقين مثل كل الناس. هو مثل الجميع أما أنا فقد أصبحت مثله في الزمن السابق . بلا ساقي ، تلك التي ذهبت كمن ذهب ولم يعد..
كان يتمتم بتلك الكلمات حين جاءه صوت الحاج :
- هي ليست أكثر من ساق من لحم ودم وعظم. وأنت لست الأول ولا الأخير في هذا العالم الذي تصلح تسميته عالم بلا سيقان..
- كيف يمكن للمرء أن يسير على ساق واحدة ؟ أنا شخصيا لا أفهم ذلك وأجد صعوبة في الإجابة على السؤال.
ولكي يخفف عنه عبء الإجابة قال له الحاج :
الإنسان حين يفقد ساقه او عضو من أعضائه عليه الصمود والتحلي بالصبر وفولذة الإرادة. لأن العضو المبتور يذهب ولا يعود بينما الإنسان يبقى إلى أن يموت. وفي تلك الفترة يجب عليه ان يتعلم الحياة من جديد، والسير من جديد. وان لا يجد في نفسه أية فوارق عن الآخرين. لأن تصنيف النفس خارج المجموع في تلك الحالة يجعل الإنسان في خبر كان. ويجعل ثقة الشخص بنفسه مهزوزة وضعيفة. مما يؤثر على كافة مسارات حياته. عليك ان تقبل بالواقع الجديد وتتحداه وتمضي في مشوارك بهمة وعزم وجرأة.
استمع لنصائح وإرشادات وخبرة الحاج وهو يمشي إلى جانبه كل على عكازاته.. وفي لحظة عابرة جمع قواه وسأل الحاج عن سر بتر ساقه. فرد عليه الحاج وهو مبتسم: كنت صيادا أصيد السمك في البحر.. وذات يوم اقتربت من زورقي الصغير سفينة كبيرة كانت تعج بالقراصنة الغرباء الذي وصلوا إلى بحرنا ونزلوا برنا فيما بعد. بأشكالهم وهيئاتهم المخيفة التي تثير الرعب. طلبوا مني ان أكون دليلهم على الساحل. وافقت مجبرا وخوفا من زعيمهم الذي كان بساق واحدة خشبية. وبعين واحدة وضع فوقها لفافة سوداء. عندما وصلنا الشاطئ حدثت جلبة وإطلاق نار وفوضى وفجأة وجدت نفسي مصاباً وبدون ساقي.
صحوت فيما بعد على نفسي في غرفة بيضاء في المستشفى حيث كانت تتم معالجتي. بعد ان شفيت عدت الى البحر ، الى الحارة القديمة وبقيت هناك حتى توفاني الله وأحضرتني الملائكة الى هذا المكان. حيث يتم جمع الموتى الذين فقدوا أطرافهم في الحياة.
ماذا توفاك الله؟ موتى ومكان لل..
نعم توفاني الله! ومكان لل ..
بقدرة قادر في تلك اللحظة انتفض صاحبنا مرعوبا من الهلع،حيث ظن انه قد مات بعدما بترت ساقه.. ولكنه وجد نفسه فوق سريره يلهث ويكاد يختنق . فتناول على عجل كأس الماء الذي فوق الطاولة الصغيرة بالقرب من سريره.. شرب كل ما كان فيه.. وبعد أن هدأ قليلا .. تحسس ساقه فوجدها في مكانها وفعل الشيء نفسه مع الأخرى حيث وجدها أيضاً مكانها.. ضحك من نفسه .. لكنه لم يعد للنوم ، ارتدى ملابسه وخرج يتمتع بالشمس خارج المنزل
عاصفة منتصف الليل
لم ينم طيلة ليلة كاملة،ظل يتقلب في سريره كدجاجة فوق نار حارقة، فقد شرب كمية
كبيرة من الخمر ، ظلت تسري في شرايينه ،مما أثقل رأسه وجعله بلسانين... ردد في
سريره مرتجفاً: البرد، اللعنة على البرد.. في الخارج بدت سرعة الريح أسرع من الدوار
في رأسه.. إنه البرد، آه منه، فالبرد هو الذي جعله يتقلب ذات اليمين وذات الشمال
إلى أن نام بدون شعور ودونما خوف أو إحساس بالعاصفة وانعدام السلامة والأمان..
اعتاد شرب الخمر منذ بدأ العمل بحاراً على متن سفينة أجنبية. طافت بلاده، وطاف معها الموانئ و البحار.. تعلم كذلك على متنها معاشرة حوريات البحر وشابات الموانئ.. لم يغب عن باله أول إبحار مع السفينة بالاستينكا،حيث عانى يومها الأمرين من دوار البحر ودوار الخمر ودوار الشمس ودورة العمر على سرير عابر في ليلة عابرة..
قال لها : مارسالينا .. كل شيء في حياتي عابر .. حتى أنت ستكونين كذلك ..
لم ترد مارسلينا التي انتشت روحها به واشتعل جسدها لهيبا معه .. لم تقل شيئا ، اكتفت بهزة من رأسها عنت موافقتها.. تقدمت نحوه ، دنت من أذنه وهمست : لكني لن أنساك يا سرخان (سرحان).. فقد أحببتك لأنك مثلي بلا إنوان (عنوان) ، (خر) حر ، تتقاسم (الخب) الحب و (الخرية)الحرية و (الخياة)الحياة مع من هم مثلك... أجادت مارسلينا بعض الكلمات العربية من خلال معاشرتها للبحارة، لكنها لم تستطع فك طلاسم الحاء والعين في لغة الضاد.
قال لها كل هذه الخاءات ( من حرف الخاء) دليل قاطع على ان حياتنا خراء بخراء ..
قالت له لا لا سرخان .. خياتنا خلوة ..
مارسلينا! قولي بحرة فوقي وبحرة تحتي
ردت : بخرة فوقي وبخرة تختي ..
أرأيت الحياة شيء بخري يا خلوتي و حلوتي ..
تراءت له وهو يهم بصعود سلم السفينة، صورة جده البحار، الشيخ الهارب من مصيره، يحمل أطفاله ومتاعه وزوجته المصابة بشظية..وضعهم على متن زورقه الصغير وترك خلفه كل شيء.. فر هرباً من الغزاة الذين كانوا أكثر قسوة وعدوانية من قراصنة البحر، وأشد فتكاً بالناس من سمك القرش. تذكر سرحان جدته،بسمتها المبللة بدمع تساقط على خديها وهي تقص على مسامعهم حكاية الهرب من الموت. لم يفهم بداية كيف ان جدته تبكي مبتسمة. ومع الزمن عرف أن البسمة تعلو شفاه الأهل بالرغم من الجراح. تذكر أيضا إصرار جده،حين حدثهم عن هبوب الرياح العاتية واشتداد دوار البحر.. كان التيار قويا وعاتيا ، لكن الجد فكر بزوجته المصابة وبطفله الصغير.. ظل يقاوم ويجمع قواه ويرتل ما حفظ من الذكر الحكيم، حتى ابتعد عن الشاطئ، شاقا عباب البحر، متجها نحو عالم جديد. وبعد وصوله بر البلاد المجاورة ، شاهد الملائكة وهي تقوم بإجراء مراسيم دفن ملائكية لقلبه الذي ظل هناك في ساحة بيته المسلوب.
ركب سرحان البحر في طريقه إلى العالم الحديث مثقلا بتلك الذكريات.. تعلم خلال ركوبه البحر أشياء كان يجهلها... أشياء جديدة، من ومع المرأة الشبح كما سما مارسالينا ، بطاقته إلى الحرية. برغم حبه لها وتعلقه بلهيبها ، ظل يقول بداية الأمر أن العفاريت والشياطين والجن ركبته ..فكيف يمكنه وهو لم يطبق العشرين من عمره ركوب كل تلك الأشياء خلال فترة وجيزة..لأول مرة في حياته..اقتنع سرحان ان لمغامراته البحرية علاقة بقوة خارقة، أو أنها بمساعدة الجن، المهيمن على مثلث برمودا.أو بدعم من أرواح الهنود الحمر، التي لجأت الى البحر، للاختباء من سفن الموت القادمة من وراء البحار. فهناك كثير من الصفات المشتركة بينه وبين الهنود الحمر. يكفي شراكته لمارسالينا عواصف الحياة على متن السفينة.
عندما وضع قدمه على سطح السفينة بالستينكا، رفع يداه شاكرا الله على هديته في الثامن من آذار / مارس. قبل ذلك اليوم لم يسمع بيوم للمرأة في بلاده.. لاحظ الفتى سرحان أنهم على متن السفينة احتفلوا بيوم حواءهم. ولم يكن هو أسوأ منهم لأنه بنفس المناسبة احتفل بيوم مارسالينا بشكل يليق بفحل في أول طلعته...كان أيضا يومه،بداية حياته الجديدة. ذكرته الاحتفالية الغريبة معها بحكايات الشابات الشقراوات اللواتي كن يتقربن من الصيادين والفلاحين في بلاده المسلوبة، حيث تنتهي بعض الليالي بقيام بعضهم بتوقيع أوراق بيع ممتلكاتهم للشقراوات، ومن شغلهن في خدمة مشروع الاستيلاء على أرض اللبن والعسل.
لم يشك بصدق مارسالينا السمراء. جارته في الكابينة على متن السفينة.. شابة بعمر الورد، مثل القهوة بالحليب، ممشوقة القد ، مجبولة الجسم ، مجعدة الشعر، ذات بسمة وأسنان بيضاء مثل الثلج. عرف فيما بعد أنها من أم هندية حمراء، من قبيلة تؤمن بالمحبة والحياة. علمته "مارسالينا" بعد عدة ليالي من السفر المشترك بحرا، انه من الصعب على أهل البحر السفر دونما شركاء ورفقاء درب.
عندما حل يوم الفراق وغادرت مارسلينا السفينة في ثالث توقف لها في ميناء بحري كبير لم يعد يذكر اسمه.ودعته بحرارة آلهة الشمس والحب .. شعر عندها انه فقد كل شيء في الميناء المجهول.فكر أن يلحق بها.لكنها ردته بنظرة من عينيها،خوفا عليه من الأيام ومن مهنتها. فهي حرة وتمارس حريتها كما تريد.. لم ترغب الارتباط به بالرغم من شعورها القوي هي أيضا بشيء جذاب وغريب يشدها إلى هذا الفتى المبتدأ.
مضت سيدة لياليه البحرية ، شهرزاده الهندية ، شوكولاتته اللذيذة ، قهوته بالحليب ، خمرته ورفيقة سفره... لوح لها بيده طويلا، ظل يفعل ذلك رغم تواري رصيف الميناء وابتعاد السفينة عن اليابسة. مضت مارسالينا لتمارس حريتها بينما ظل هو على متن السفينة بدون وجهة ،حبيس حريته البحرية ، ورهينة للحظات أعادت له وجه جده الذي عشق البحر وعرف أسراره وخباياه ، حيث كلم الأسماك بلسان تفهمه ، والأمواج بنظرات تعرفها. جده لم يجد الوقت ليودع كل تلك الأشياء التي أحبها ، حين فاجأته عاصفة البشر الغرباء فوق أرضه، وفي حديقة بيته.. لم يكن عندها يفكر سوى بإنقاذ عائلته من الموت. ترك البيت والساحل والبلدة، ولم يتمكن من العودة إليهم. مات غريبا في بلد مجاور ظل يعتبره كذلك حتى بعد موته. صنعوا له تابوتاً من خشب زورقه الذي أوصله إلى منفاه.. وهكذا تم دفنه بطريقة بحرية مبتدعة، كان نفسه أوصى بها قبل مماته. دفنوا جثمانه في البلد الجديد بينما قلبه ظل هناك في بهو المنزل الأول ، تحت حراسة الملائكة.
جرع سرحان شرابه الذي جعل الرأس أخف من الكأس، واللسان أثقل من الإنسان،حاول تخيلها،أمعن النظر في سمارها الخلاب. رآها آلهة مجبولة من التمر والتراب والشوكولاته.. اشتهاها،فصفص حبات فستقها،التهم كل شيء قبل ان يشعر بالدوار يلفه ويرميه.. ارتمى على سطح السفينة.. شاهدها قادمة تمشي فوق الأمواج وعلى سطح البحر.لكنها لم تصل.. ذهبت كما ذهب بيت جده..
حضرته أوقاتهم الليلية الدافئة وحديثه معها عن بلاده التي لم يرها قط.. وكيف انها استغربت منه ، لأنه روى لها تفاصيل دقيقة وصف فيها كل شيء في بلدته، مع انه ولد وعاش وكبر في بلاد أخرى. ولم يتسن له رؤية بلاده ولو مرة واحدة خلال سنوات عمره العشرين. أحيانا كانت تظن انه يبالغ في أحاديثه بسب كمية الكحول التي يشربها.. لكنها اكتشفت مع الأيام ان الأمر أكبر من الكحول. فالشاب العشريني يحفظ أحاديث أجداده بدقة بحيث أن الذي يسمعه يعتقد انه عاش كل تلك التفاصيل الدقيقة. حسدته على تعلقه الشديد بأرض جده ومنزله وزورقه وحكاياته.. بينما حسدها هو على قبولها العيش بلا وطن سوى السفن والموانئ والأسرة العابرة..
ظل سرحان تلك الليلة يشرب الخمر دون توقف، وصلت سفينته عند منتصف الليل إلى منطقة اشتدت فيها العاصفة البحرية. في تلك اللحظة واصل سرحان حديثه للجد،الذي بلغ نهاية رحلة عبور البحر من بلد إلى بلد. رحلة الجد البحرية، وهو يصارع العاصفة بكل ما لديه من قوة وخبرة وإيمان. راقبه سرحان بعيون مشدودة وفاه مشدوه.. رأى براعة جده في تحدي الإعصار..أصر الجد على رفض السماح للإعصار بابتلاع أيا كان من الذين على متن مركبه الصغير.
شرب سرحان نخب جده الإنسان، ولكنه لم يكن يدري بنفس الوقت انه اقرب إلى أن يبتلعه الإعصار من جده الذي وصل بر الأمان.. لم تغرق السفينة لكن سرحانا غرق من شدة الخمر، فقد نام ثملا دون ان يعي انه كذلك..ذهبت سكرته وجاءت فكرته عندما وجد نفسه يعوم بما حملته العاصفة من مياه غطت أجزاء من السفينة.
اعتاد شرب الخمر منذ بدأ العمل بحاراً على متن سفينة أجنبية. طافت بلاده، وطاف معها الموانئ و البحار.. تعلم كذلك على متنها معاشرة حوريات البحر وشابات الموانئ.. لم يغب عن باله أول إبحار مع السفينة بالاستينكا،حيث عانى يومها الأمرين من دوار البحر ودوار الخمر ودوار الشمس ودورة العمر على سرير عابر في ليلة عابرة..
قال لها : مارسالينا .. كل شيء في حياتي عابر .. حتى أنت ستكونين كذلك ..
لم ترد مارسلينا التي انتشت روحها به واشتعل جسدها لهيبا معه .. لم تقل شيئا ، اكتفت بهزة من رأسها عنت موافقتها.. تقدمت نحوه ، دنت من أذنه وهمست : لكني لن أنساك يا سرخان (سرحان).. فقد أحببتك لأنك مثلي بلا إنوان (عنوان) ، (خر) حر ، تتقاسم (الخب) الحب و (الخرية)الحرية و (الخياة)الحياة مع من هم مثلك... أجادت مارسلينا بعض الكلمات العربية من خلال معاشرتها للبحارة، لكنها لم تستطع فك طلاسم الحاء والعين في لغة الضاد.
قال لها كل هذه الخاءات ( من حرف الخاء) دليل قاطع على ان حياتنا خراء بخراء ..
قالت له لا لا سرخان .. خياتنا خلوة ..
مارسلينا! قولي بحرة فوقي وبحرة تحتي
ردت : بخرة فوقي وبخرة تختي ..
أرأيت الحياة شيء بخري يا خلوتي و حلوتي ..
تراءت له وهو يهم بصعود سلم السفينة، صورة جده البحار، الشيخ الهارب من مصيره، يحمل أطفاله ومتاعه وزوجته المصابة بشظية..وضعهم على متن زورقه الصغير وترك خلفه كل شيء.. فر هرباً من الغزاة الذين كانوا أكثر قسوة وعدوانية من قراصنة البحر، وأشد فتكاً بالناس من سمك القرش. تذكر سرحان جدته،بسمتها المبللة بدمع تساقط على خديها وهي تقص على مسامعهم حكاية الهرب من الموت. لم يفهم بداية كيف ان جدته تبكي مبتسمة. ومع الزمن عرف أن البسمة تعلو شفاه الأهل بالرغم من الجراح. تذكر أيضا إصرار جده،حين حدثهم عن هبوب الرياح العاتية واشتداد دوار البحر.. كان التيار قويا وعاتيا ، لكن الجد فكر بزوجته المصابة وبطفله الصغير.. ظل يقاوم ويجمع قواه ويرتل ما حفظ من الذكر الحكيم، حتى ابتعد عن الشاطئ، شاقا عباب البحر، متجها نحو عالم جديد. وبعد وصوله بر البلاد المجاورة ، شاهد الملائكة وهي تقوم بإجراء مراسيم دفن ملائكية لقلبه الذي ظل هناك في ساحة بيته المسلوب.
ركب سرحان البحر في طريقه إلى العالم الحديث مثقلا بتلك الذكريات.. تعلم خلال ركوبه البحر أشياء كان يجهلها... أشياء جديدة، من ومع المرأة الشبح كما سما مارسالينا ، بطاقته إلى الحرية. برغم حبه لها وتعلقه بلهيبها ، ظل يقول بداية الأمر أن العفاريت والشياطين والجن ركبته ..فكيف يمكنه وهو لم يطبق العشرين من عمره ركوب كل تلك الأشياء خلال فترة وجيزة..لأول مرة في حياته..اقتنع سرحان ان لمغامراته البحرية علاقة بقوة خارقة، أو أنها بمساعدة الجن، المهيمن على مثلث برمودا.أو بدعم من أرواح الهنود الحمر، التي لجأت الى البحر، للاختباء من سفن الموت القادمة من وراء البحار. فهناك كثير من الصفات المشتركة بينه وبين الهنود الحمر. يكفي شراكته لمارسالينا عواصف الحياة على متن السفينة.
عندما وضع قدمه على سطح السفينة بالستينكا، رفع يداه شاكرا الله على هديته في الثامن من آذار / مارس. قبل ذلك اليوم لم يسمع بيوم للمرأة في بلاده.. لاحظ الفتى سرحان أنهم على متن السفينة احتفلوا بيوم حواءهم. ولم يكن هو أسوأ منهم لأنه بنفس المناسبة احتفل بيوم مارسالينا بشكل يليق بفحل في أول طلعته...كان أيضا يومه،بداية حياته الجديدة. ذكرته الاحتفالية الغريبة معها بحكايات الشابات الشقراوات اللواتي كن يتقربن من الصيادين والفلاحين في بلاده المسلوبة، حيث تنتهي بعض الليالي بقيام بعضهم بتوقيع أوراق بيع ممتلكاتهم للشقراوات، ومن شغلهن في خدمة مشروع الاستيلاء على أرض اللبن والعسل.
لم يشك بصدق مارسالينا السمراء. جارته في الكابينة على متن السفينة.. شابة بعمر الورد، مثل القهوة بالحليب، ممشوقة القد ، مجبولة الجسم ، مجعدة الشعر، ذات بسمة وأسنان بيضاء مثل الثلج. عرف فيما بعد أنها من أم هندية حمراء، من قبيلة تؤمن بالمحبة والحياة. علمته "مارسالينا" بعد عدة ليالي من السفر المشترك بحرا، انه من الصعب على أهل البحر السفر دونما شركاء ورفقاء درب.
عندما حل يوم الفراق وغادرت مارسلينا السفينة في ثالث توقف لها في ميناء بحري كبير لم يعد يذكر اسمه.ودعته بحرارة آلهة الشمس والحب .. شعر عندها انه فقد كل شيء في الميناء المجهول.فكر أن يلحق بها.لكنها ردته بنظرة من عينيها،خوفا عليه من الأيام ومن مهنتها. فهي حرة وتمارس حريتها كما تريد.. لم ترغب الارتباط به بالرغم من شعورها القوي هي أيضا بشيء جذاب وغريب يشدها إلى هذا الفتى المبتدأ.
مضت سيدة لياليه البحرية ، شهرزاده الهندية ، شوكولاتته اللذيذة ، قهوته بالحليب ، خمرته ورفيقة سفره... لوح لها بيده طويلا، ظل يفعل ذلك رغم تواري رصيف الميناء وابتعاد السفينة عن اليابسة. مضت مارسالينا لتمارس حريتها بينما ظل هو على متن السفينة بدون وجهة ،حبيس حريته البحرية ، ورهينة للحظات أعادت له وجه جده الذي عشق البحر وعرف أسراره وخباياه ، حيث كلم الأسماك بلسان تفهمه ، والأمواج بنظرات تعرفها. جده لم يجد الوقت ليودع كل تلك الأشياء التي أحبها ، حين فاجأته عاصفة البشر الغرباء فوق أرضه، وفي حديقة بيته.. لم يكن عندها يفكر سوى بإنقاذ عائلته من الموت. ترك البيت والساحل والبلدة، ولم يتمكن من العودة إليهم. مات غريبا في بلد مجاور ظل يعتبره كذلك حتى بعد موته. صنعوا له تابوتاً من خشب زورقه الذي أوصله إلى منفاه.. وهكذا تم دفنه بطريقة بحرية مبتدعة، كان نفسه أوصى بها قبل مماته. دفنوا جثمانه في البلد الجديد بينما قلبه ظل هناك في بهو المنزل الأول ، تحت حراسة الملائكة.
جرع سرحان شرابه الذي جعل الرأس أخف من الكأس، واللسان أثقل من الإنسان،حاول تخيلها،أمعن النظر في سمارها الخلاب. رآها آلهة مجبولة من التمر والتراب والشوكولاته.. اشتهاها،فصفص حبات فستقها،التهم كل شيء قبل ان يشعر بالدوار يلفه ويرميه.. ارتمى على سطح السفينة.. شاهدها قادمة تمشي فوق الأمواج وعلى سطح البحر.لكنها لم تصل.. ذهبت كما ذهب بيت جده..
حضرته أوقاتهم الليلية الدافئة وحديثه معها عن بلاده التي لم يرها قط.. وكيف انها استغربت منه ، لأنه روى لها تفاصيل دقيقة وصف فيها كل شيء في بلدته، مع انه ولد وعاش وكبر في بلاد أخرى. ولم يتسن له رؤية بلاده ولو مرة واحدة خلال سنوات عمره العشرين. أحيانا كانت تظن انه يبالغ في أحاديثه بسب كمية الكحول التي يشربها.. لكنها اكتشفت مع الأيام ان الأمر أكبر من الكحول. فالشاب العشريني يحفظ أحاديث أجداده بدقة بحيث أن الذي يسمعه يعتقد انه عاش كل تلك التفاصيل الدقيقة. حسدته على تعلقه الشديد بأرض جده ومنزله وزورقه وحكاياته.. بينما حسدها هو على قبولها العيش بلا وطن سوى السفن والموانئ والأسرة العابرة..
ظل سرحان تلك الليلة يشرب الخمر دون توقف، وصلت سفينته عند منتصف الليل إلى منطقة اشتدت فيها العاصفة البحرية. في تلك اللحظة واصل سرحان حديثه للجد،الذي بلغ نهاية رحلة عبور البحر من بلد إلى بلد. رحلة الجد البحرية، وهو يصارع العاصفة بكل ما لديه من قوة وخبرة وإيمان. راقبه سرحان بعيون مشدودة وفاه مشدوه.. رأى براعة جده في تحدي الإعصار..أصر الجد على رفض السماح للإعصار بابتلاع أيا كان من الذين على متن مركبه الصغير.
شرب سرحان نخب جده الإنسان، ولكنه لم يكن يدري بنفس الوقت انه اقرب إلى أن يبتلعه الإعصار من جده الذي وصل بر الأمان.. لم تغرق السفينة لكن سرحانا غرق من شدة الخمر، فقد نام ثملا دون ان يعي انه كذلك..ذهبت سكرته وجاءت فكرته عندما وجد نفسه يعوم بما حملته العاصفة من مياه غطت أجزاء من السفينة.
زهرة المخيم
تغير كل شيء، حتى دجاجات العمة أم ادهم لم تخرج من خلف الأسلاك الشائكة
لتبحث في أزقة الحارة عن بقايا طعام. ولا الكلاب بانت في الزواريب وعند
حدود الجوع.. وحده الخبز الحافي يبحث عن فرن الحياة. لم تظهر سماء
اليوم بتلوينات الأمس.. كأن من يشدها إلى الأعلى هو الذي يمنعها من
السقوط على من هم تحتها.. كأنه أرادها اليوم بغير بهجتها المعتادة.
وكأن القلق المصيري أصبح هم الناس بعدما تعرت السماء من الغيوم.وبعدما
عز الطعام على الإنسان والحيوان.
قلق في المكان الذي لا يعيره احد أي اهتمام.. كآبة واضحة ترتسم على وجوه الناس في حارات البطون الفارغة والعقول الواعدة. الحديث بينهم لا يخلو من الخوف بالرغم من طرافته وأخذه لطابع الهزل حيث غلبت عليه النكات. . كانت نكاتا سوداء، فالترقب يسيطر على المقهى ويسود أوساط الناس قلق بالغ.. اجبر بعضهم على البقاء في البيوت والأسواق. فقد مرت عليهم أيام صعبة، ثم جاء الفراق والوداع. قبل أيام ودعوا أحبة لهم حملتهم السفن إلى بلاد غير بلادهم، والى مدن ومناطق تبعد عن المخيم آلاف الأميال. ثم تركوا خلفهم آلاف علامات السؤال لتتربع فوق تجاعيد الوجوه التي عانت وعاشت النكبات من الأولى في البلاد وحتى أخواتها كافة في بلاد الأشقاء.
جلس الفتى على حجر أمام دارٍ شبه واقفة، كانت بالأمس عامرة بمن دفن تحت أنقاضها.. تأمل الناس وهم يعبرون الطريق من والى المخيم. لم يأبه لاستعجالهم وهرولة بعضهم .. كانوا على ما يبدو قلقين من بدأ تساقط القذائف بشكل متقطع في جوار المخيم. لم ترهبه أصوات الانفجارات، مع أنه ليس من الذين لا يهابون الموت. قد تكون لامبالاة بسبب فقدان الأمل، لذا ظل يمسك بسيجارته وينفث فيها، ممعنا النظر في قطٍ ينتظر فريسته. أعجبته قدرة القط على الصبر، فقد انتظر لنصف ساعة خروج الفأر . انتظره نصف ساعة بالتمام ثم افترسه في ثواني معدودات ..
قال محمد علي متحدثاً بالطبع مع نفسه بصفة الجماعة : كلنا جياع ولم نأكل طعاما جيدا وذو فائدة للجسم منذ بدأ الحصار. ولا غرابة في ان يكون القط أيضا بحاجة لفيتامينات لتحسين وضعه الصحي المزري. فقد جاع مثلنا لأكثر من شهرين ونصف من الزمن. هو يمكنه صيد الفئران أما نحن فلا نجرأ على الاقتراب من البحر لصيد السمك أو الذهاب إلى الحوش القريب لصيد الطيور. فالطيور المعدنية غيرت وبدلت لون السماء ، صارت هي الصياد ونحن الطرائد، هي القناص ونحن الفرائس.. تنتظرنا كي تفترسنا بدورها.
مرت فتاة أحلامه، زهرة تتمختر على الطريق المقابل.. اختلست نظرة، مالت برأسها في اتجاهه.. آه يا زهرة! كأنك الهوى يخفق بالهوى، تمرين بسرعة الريح.. انت أذن حية..
أنها حبه المباغت، عشقها وهام في حبها منذ التقى بها للمرة الأولى في تظاهرة تضامن مع أهل الأرض. شابة نحيفة، ممشوقة القد، بشرتها حنطية،طلعتها كالشمس أقرب إلى السماء، وبريقها كالقمر في أقصى الكرة الأرضية..شعرها خروبي ، وأسنانها بيضاء ، متساوية مثل أسنان المشط. حضرته صورتها وهي تنشد بأعلى صوتها " يا جماهير الأرض المحتلة".. كالمجنون حاول يومها الاقتراب منها، ليردد وراؤها نفس النشيد.
لم تبتعد كثيرا عنه، ابتسمت له، لمح البسمة فكاد يطير من الفرح، اقتنع بعد ذلك أنها تحبه.لما لا وهو الذي بح صوته وهو ينشد في التظاهرة خلفها، لأهل الأرض، ولها وهي تمشي قربه فوق الأرض.
مر أيضا قاسم الغول.. شاب طيب إنما أهوج بما فيه الكفاية.. يقال أيضاً انه مجنون،يعرفونه من صوته الجهوري ، الخشن، وجسمه الرياضي، وعينه المفقوءة،وطاقيته التي يلبسها بالعكس، عكس كل الناس،مقدمتها إلى الخلف ، بحيث يظنه المرء عائدا في تقدمه، أو مثلما قال احد هبلان المخيم " راجع لقدام وماشي" .. طلب الغول سيجارة وولاعة من محمد علي، ثم توجه كعادته إلى المدينة الرياضية حيث كان يقضي ساعاته تحت الشمس. يعد طيور السماء وطيور الأرض، هكذا كان يقول لنا. اليوم أحصيت 100 طائر في الجو وعشرة على الأرض. كنا ننظر على الأرض فلا نجد طيوراً حية ولا أخرى ميتة.كأن الطيور انقرضت.
عادت زهرة تتمايل وتنورتها الملونة تقاوم الريح، أما شعرها الطويل فقد بدا من بعيد كأنه بساط الريح. تقدم نحوها ببطء، لم ينتبه للسيجارة التي كانت في المنفضة، تركها تحترق، انشغل بزهرته وبقلبه المحترق. لم تعيده لحظة الطيران خلف قلبه لإطفاء السيجارة. لم يأبه لمخاطر اشتعال المكان بسبب تسرب بعض البنزين من خزان وقود كان متوقفاً بالقرب من سيجارته المشتعلة. هو نفسه كان اكثر اشتعالاً من السيجارة، لذا تابع وواصل مسيره. في الطريق القصير مسد شعره بكف يده. و مسح بإصبعه المبلل باللعاب حاجبه. إذ أنه يعاني من انتصاب بعض الشعيرات على حاجبه، فيبدو في تلك اللحظة مثل عجزة المكتب السياسي في الحزب الشيوعي السوفيتي.
وصلت زهرة قبله، صارت عند المفرق المؤدي إلى أضيق زاروب في المخيم، لحق بها، أسرع الخطا، وصل قربها، وقلبه آخذ بالخفقان ، خفق بقوة، مما جعلها تضحك عندما سمعت نبضات وخفقان قلبه. ضحكة ملاك، وبسمة آلهة. تطلعت بعيني غزالة، ولم تنبس بكلمة.. سارع بسؤالها: هل تذهبين إلى البيت؟ هزت رأسها علامة الموافقة.. تعجب منها، هل هذه هي زهرة التي قادت التظاهرة أم أنها توأمها.. اقترب منها بشكل كبير، حتى انه أحس بتنورتها المتمايلة بفعل الريح وهي تلامس يده.
قال لها يا زهرة أتقبلين بي عريساً لك ؟
خبأت وجهها بكفها، لم تجبه على سؤاله..
أعاد تكرار السؤال وما أن فتحت زهرة فاهها حتى بدأت القنابل تتساقط على المكان.انتشر الغبار والدخان، فيما أحس محمد علي بألم في صدره. لم ير بعده زهرة ، لم يسمع صوتها. تساءل: ترى اين هي؟.. خاف عليها ، خاف ان تكون أصيبت .. لكن خوفه تبدد حين رآها تتقترب منه، تسنده وتضمه إلى صدرها. وتمسك بيده، وتمسد شعره المبلل بالدم. سمع دقات قلبها المتسارعة، قبل أن يقطع تلك السمفونية صوت قاسم الغول.. جاء يركض كالمجنون، انتزعه من أحضان زهرته، التي صبغت ملابسها بالدم. حمله بين يديه وركض به نحو المستشفى.. بينما وقفت زهرة مذهولة تذرف الدموع، وتنشد بصوت ملائكي جابو الشهيد جابوه يا فرحة أمه وأبوه..
لم يتمكن قاسم الغول من الوصول إلى المستشفى في الوقت المناسب، إذ أن صاحبه الجريح، الذي سأل عن زهرة.. لفظ آخر أنفاسه في المكان الذي ترك فيه سيجارته المشتعلة. توقف قاسم عن الركض ، وضع الشهيد بجانب الجدار حيث كان يجلس قبل دقائق، سحب نفساً عميقاً مما تبقى من سيجارة محمد علي.. ثم خلع قميصه الصيفي، وأخذ يصرخ بأعلى صوته، ويدق بكلتا يديه على صدره، كأنه طرزان يطلب النجدة من اصدقائه في الغابة. لكن قاسم لم يكن طرزانا ولا الحوش في المخيم كان غابته.. لذا لم تأت النجدة.. ولم يعد هناك بد من دفن الشهيد
قلق في المكان الذي لا يعيره احد أي اهتمام.. كآبة واضحة ترتسم على وجوه الناس في حارات البطون الفارغة والعقول الواعدة. الحديث بينهم لا يخلو من الخوف بالرغم من طرافته وأخذه لطابع الهزل حيث غلبت عليه النكات. . كانت نكاتا سوداء، فالترقب يسيطر على المقهى ويسود أوساط الناس قلق بالغ.. اجبر بعضهم على البقاء في البيوت والأسواق. فقد مرت عليهم أيام صعبة، ثم جاء الفراق والوداع. قبل أيام ودعوا أحبة لهم حملتهم السفن إلى بلاد غير بلادهم، والى مدن ومناطق تبعد عن المخيم آلاف الأميال. ثم تركوا خلفهم آلاف علامات السؤال لتتربع فوق تجاعيد الوجوه التي عانت وعاشت النكبات من الأولى في البلاد وحتى أخواتها كافة في بلاد الأشقاء.
جلس الفتى على حجر أمام دارٍ شبه واقفة، كانت بالأمس عامرة بمن دفن تحت أنقاضها.. تأمل الناس وهم يعبرون الطريق من والى المخيم. لم يأبه لاستعجالهم وهرولة بعضهم .. كانوا على ما يبدو قلقين من بدأ تساقط القذائف بشكل متقطع في جوار المخيم. لم ترهبه أصوات الانفجارات، مع أنه ليس من الذين لا يهابون الموت. قد تكون لامبالاة بسبب فقدان الأمل، لذا ظل يمسك بسيجارته وينفث فيها، ممعنا النظر في قطٍ ينتظر فريسته. أعجبته قدرة القط على الصبر، فقد انتظر لنصف ساعة خروج الفأر . انتظره نصف ساعة بالتمام ثم افترسه في ثواني معدودات ..
قال محمد علي متحدثاً بالطبع مع نفسه بصفة الجماعة : كلنا جياع ولم نأكل طعاما جيدا وذو فائدة للجسم منذ بدأ الحصار. ولا غرابة في ان يكون القط أيضا بحاجة لفيتامينات لتحسين وضعه الصحي المزري. فقد جاع مثلنا لأكثر من شهرين ونصف من الزمن. هو يمكنه صيد الفئران أما نحن فلا نجرأ على الاقتراب من البحر لصيد السمك أو الذهاب إلى الحوش القريب لصيد الطيور. فالطيور المعدنية غيرت وبدلت لون السماء ، صارت هي الصياد ونحن الطرائد، هي القناص ونحن الفرائس.. تنتظرنا كي تفترسنا بدورها.
مرت فتاة أحلامه، زهرة تتمختر على الطريق المقابل.. اختلست نظرة، مالت برأسها في اتجاهه.. آه يا زهرة! كأنك الهوى يخفق بالهوى، تمرين بسرعة الريح.. انت أذن حية..
أنها حبه المباغت، عشقها وهام في حبها منذ التقى بها للمرة الأولى في تظاهرة تضامن مع أهل الأرض. شابة نحيفة، ممشوقة القد، بشرتها حنطية،طلعتها كالشمس أقرب إلى السماء، وبريقها كالقمر في أقصى الكرة الأرضية..شعرها خروبي ، وأسنانها بيضاء ، متساوية مثل أسنان المشط. حضرته صورتها وهي تنشد بأعلى صوتها " يا جماهير الأرض المحتلة".. كالمجنون حاول يومها الاقتراب منها، ليردد وراؤها نفس النشيد.
لم تبتعد كثيرا عنه، ابتسمت له، لمح البسمة فكاد يطير من الفرح، اقتنع بعد ذلك أنها تحبه.لما لا وهو الذي بح صوته وهو ينشد في التظاهرة خلفها، لأهل الأرض، ولها وهي تمشي قربه فوق الأرض.
مر أيضا قاسم الغول.. شاب طيب إنما أهوج بما فيه الكفاية.. يقال أيضاً انه مجنون،يعرفونه من صوته الجهوري ، الخشن، وجسمه الرياضي، وعينه المفقوءة،وطاقيته التي يلبسها بالعكس، عكس كل الناس،مقدمتها إلى الخلف ، بحيث يظنه المرء عائدا في تقدمه، أو مثلما قال احد هبلان المخيم " راجع لقدام وماشي" .. طلب الغول سيجارة وولاعة من محمد علي، ثم توجه كعادته إلى المدينة الرياضية حيث كان يقضي ساعاته تحت الشمس. يعد طيور السماء وطيور الأرض، هكذا كان يقول لنا. اليوم أحصيت 100 طائر في الجو وعشرة على الأرض. كنا ننظر على الأرض فلا نجد طيوراً حية ولا أخرى ميتة.كأن الطيور انقرضت.
عادت زهرة تتمايل وتنورتها الملونة تقاوم الريح، أما شعرها الطويل فقد بدا من بعيد كأنه بساط الريح. تقدم نحوها ببطء، لم ينتبه للسيجارة التي كانت في المنفضة، تركها تحترق، انشغل بزهرته وبقلبه المحترق. لم تعيده لحظة الطيران خلف قلبه لإطفاء السيجارة. لم يأبه لمخاطر اشتعال المكان بسبب تسرب بعض البنزين من خزان وقود كان متوقفاً بالقرب من سيجارته المشتعلة. هو نفسه كان اكثر اشتعالاً من السيجارة، لذا تابع وواصل مسيره. في الطريق القصير مسد شعره بكف يده. و مسح بإصبعه المبلل باللعاب حاجبه. إذ أنه يعاني من انتصاب بعض الشعيرات على حاجبه، فيبدو في تلك اللحظة مثل عجزة المكتب السياسي في الحزب الشيوعي السوفيتي.
وصلت زهرة قبله، صارت عند المفرق المؤدي إلى أضيق زاروب في المخيم، لحق بها، أسرع الخطا، وصل قربها، وقلبه آخذ بالخفقان ، خفق بقوة، مما جعلها تضحك عندما سمعت نبضات وخفقان قلبه. ضحكة ملاك، وبسمة آلهة. تطلعت بعيني غزالة، ولم تنبس بكلمة.. سارع بسؤالها: هل تذهبين إلى البيت؟ هزت رأسها علامة الموافقة.. تعجب منها، هل هذه هي زهرة التي قادت التظاهرة أم أنها توأمها.. اقترب منها بشكل كبير، حتى انه أحس بتنورتها المتمايلة بفعل الريح وهي تلامس يده.
قال لها يا زهرة أتقبلين بي عريساً لك ؟
خبأت وجهها بكفها، لم تجبه على سؤاله..
أعاد تكرار السؤال وما أن فتحت زهرة فاهها حتى بدأت القنابل تتساقط على المكان.انتشر الغبار والدخان، فيما أحس محمد علي بألم في صدره. لم ير بعده زهرة ، لم يسمع صوتها. تساءل: ترى اين هي؟.. خاف عليها ، خاف ان تكون أصيبت .. لكن خوفه تبدد حين رآها تتقترب منه، تسنده وتضمه إلى صدرها. وتمسك بيده، وتمسد شعره المبلل بالدم. سمع دقات قلبها المتسارعة، قبل أن يقطع تلك السمفونية صوت قاسم الغول.. جاء يركض كالمجنون، انتزعه من أحضان زهرته، التي صبغت ملابسها بالدم. حمله بين يديه وركض به نحو المستشفى.. بينما وقفت زهرة مذهولة تذرف الدموع، وتنشد بصوت ملائكي جابو الشهيد جابوه يا فرحة أمه وأبوه..
لم يتمكن قاسم الغول من الوصول إلى المستشفى في الوقت المناسب، إذ أن صاحبه الجريح، الذي سأل عن زهرة.. لفظ آخر أنفاسه في المكان الذي ترك فيه سيجارته المشتعلة. توقف قاسم عن الركض ، وضع الشهيد بجانب الجدار حيث كان يجلس قبل دقائق، سحب نفساً عميقاً مما تبقى من سيجارة محمد علي.. ثم خلع قميصه الصيفي، وأخذ يصرخ بأعلى صوته، ويدق بكلتا يديه على صدره، كأنه طرزان يطلب النجدة من اصدقائه في الغابة. لكن قاسم لم يكن طرزانا ولا الحوش في المخيم كان غابته.. لذا لم تأت النجدة.. ولم يعد هناك بد من دفن الشهيد
المصيدة
في الطريق الى الجنة هناك ما لا نعرفه ..
حطت الطائرة في المطار، رأى اشياء لم يعرف ما هي بسبب الضباب الذي حجب الرؤية، فقط علم الدولة الذي رفرف بفعل الريح كان استثناءا... سمع عبر الميكروفون صوتا يقول بلغة البلد أشياء لم يفهم منها سوى اسم المطار. ثم عاد الصوت وكرر نفسه بلغة إنكليزية جيدة. فهم أنه في مطار العاصمة. صعد كما بقية المسافرين إلى حافلة الركاب. كانت جديدة وغريبة، إذ أنه لم ير مثلها من قبل.. وصل الصالة، وقف كما الجميع في الطابور، جهز جواز سفره. رفع يده وفي نيته حك أذنه، لم تكد اليد تلامس الأذن، حتى ظهر أمامه رجل أنيق اللباس.حياه بأدب وسأله عن اسمه. أجاب: اسمي فلان الفلاني.. قال له الرجل الأنيق: تفضل معي... سار خلف الرجل، وفي الطريق تساءل: ترى من هو هذا الرجل؟ وهل عرف بأن جواز السفر الذي احمله ليس جواز سفري، وأن الصورة التي فيه ليست صورتي، وأنني لست أوروبياً، وبأنني مجرد لاجئ مشرقي يبحث عن ملاذ آمن... دخلا من باب خلفي.. وجد نفسه أمام شخص لم يره قط. حياه، ضمه إلى صدره، سأله عن أحواله وأخباره و عن الأهل والأصحاب. ذهل مما يحدث هنا.. فهو لا يعرف الرجل السائل ، ومع هذا حضرته الحاسة السادسة فوراً، فتعامل مع ذلك بحذر.. وأجاب بأنه والأهل بخير. بعد هذه المقدمة خرج مع الرجل من المطار من دون ختم في الجواز، وبدون مرور على التفتيش، وبلا سين وجيم.توجه مع مستقبليه إلى مركز المدينة، عند مدخل الفندق كان الخدم بالانتظار. جلس الرجل ومن معه في بهو الفندق.. توجه هو برفقة الخادم إلى الغرفة.ناول الخادم دولاراً أمريكياً واحدا وأمره بالانصراف... عندما فتح الحقيبة ورأى ما بداخلها عرف أنها ليست حقيبته.. وأيقن أنه وقع في مصيدة. هبت نسمات هواء باردة عبر نافذة نصف مغلقة.. توجه إلى النافذة لكنه ارتد صوب الباب عندما تذكر ان غرفته تقع في الطابق العاشر
حطت الطائرة في المطار، رأى اشياء لم يعرف ما هي بسبب الضباب الذي حجب الرؤية، فقط علم الدولة الذي رفرف بفعل الريح كان استثناءا... سمع عبر الميكروفون صوتا يقول بلغة البلد أشياء لم يفهم منها سوى اسم المطار. ثم عاد الصوت وكرر نفسه بلغة إنكليزية جيدة. فهم أنه في مطار العاصمة. صعد كما بقية المسافرين إلى حافلة الركاب. كانت جديدة وغريبة، إذ أنه لم ير مثلها من قبل.. وصل الصالة، وقف كما الجميع في الطابور، جهز جواز سفره. رفع يده وفي نيته حك أذنه، لم تكد اليد تلامس الأذن، حتى ظهر أمامه رجل أنيق اللباس.حياه بأدب وسأله عن اسمه. أجاب: اسمي فلان الفلاني.. قال له الرجل الأنيق: تفضل معي... سار خلف الرجل، وفي الطريق تساءل: ترى من هو هذا الرجل؟ وهل عرف بأن جواز السفر الذي احمله ليس جواز سفري، وأن الصورة التي فيه ليست صورتي، وأنني لست أوروبياً، وبأنني مجرد لاجئ مشرقي يبحث عن ملاذ آمن... دخلا من باب خلفي.. وجد نفسه أمام شخص لم يره قط. حياه، ضمه إلى صدره، سأله عن أحواله وأخباره و عن الأهل والأصحاب. ذهل مما يحدث هنا.. فهو لا يعرف الرجل السائل ، ومع هذا حضرته الحاسة السادسة فوراً، فتعامل مع ذلك بحذر.. وأجاب بأنه والأهل بخير. بعد هذه المقدمة خرج مع الرجل من المطار من دون ختم في الجواز، وبدون مرور على التفتيش، وبلا سين وجيم.توجه مع مستقبليه إلى مركز المدينة، عند مدخل الفندق كان الخدم بالانتظار. جلس الرجل ومن معه في بهو الفندق.. توجه هو برفقة الخادم إلى الغرفة.ناول الخادم دولاراً أمريكياً واحدا وأمره بالانصراف... عندما فتح الحقيبة ورأى ما بداخلها عرف أنها ليست حقيبته.. وأيقن أنه وقع في مصيدة. هبت نسمات هواء باردة عبر نافذة نصف مغلقة.. توجه إلى النافذة لكنه ارتد صوب الباب عندما تذكر ان غرفته تقع في الطابق العاشر
أم الأربعة وأربعين
اعتاد التبضع من متجر صغير لامرأة في العقد الرابع من عمرها، متوسطة
الطول، نحيفة مثل دمية بامبي. شعرها كستنائي اللون، أملس طويل. ووجهها
مدور وبدون تجاعيد. صبغت خدودها باللون الأحمر. بدلت عيناها بفلقتي جوز
طلياني.وقفت وجهها للباب ومؤخرتها للرفوف القليلة التي بدت فارغة على
عكس كل المتاجر. رف طويل ووحيد اصطفت فوقه زجاجات البيرة المحلية،
بعضها بكحول والبعض الآخر لمن هم مثله بلا كحول. خلف صف البيرة وقفت
بضع زجاجات لنوع رديء من الفودكا.وفي الصف الأخير زجاجات عصير التفاح.
أما الرف المتقدم فقد عج بالخبز الساخن، الطري و الشهي. الذي اعتاد أن
يشتريه كل يوم وهو عائد من الجامعة. دخل الدكان وألقى التحية على
السيدة التي بدت كراقصة من خلال وقفتها الشمعدانية ويدها المثبتة حول
خصرها. ردت عليه بأحسن منها مع بحة مفتعلة في الصوت بعثرت كلماتها على
مسامعه. قالت خبزك جاهز، لقد وضعت لك جانباً أشهى رغيف، وزدت فوقه ثلاث
خبزات صغيرة لم تأكل مثلها من قبل. جربها اليوم وقل لي غداً رأيك بها.
إنها من مخبز معروف في القرية المجاورة.بدأت التعامل مع المخبز الريفي
منذ صباح هذا اليوم. خبز الفلاحين فيه الخير، انه ملح البلد، فإذا فسد
ملح الريف فسدت البلاد. تناول الخبز بعد أن شكرها. وضع يده في جيبه
لكنه لم يجد محفظته. ارتبك قليلا ولم يعد يعرف كيف يتصرف. لاحظت أم
الأربعة واربيعن (هكذا كان يلقبها) ارتباك ابن العشرين(هكذا كانت
تلقبه). هل نسيت محفظتك أم ترى ضاعت منك؟؟ أو أن احدهم انتشلها وأنت
تفكر بدروسك وواجباتك الجامعية في الأوتوبيس اللعين. الذي رغم ضيقه
يتسع للعشرات مرة واحدة. هل جلست بالقرب من شخص ما لم يرق لك؟ هل جلست
بالقرب منك فتاة ما؟ أم تراك قضيت الرحلة واقفاً بين المسافرين، كأنك
في يوم الحشر؟؟؟ على كل حال لا أريد مالاً اليوم، بامكانك تسديده في أي
وقت آخر. رغب بشراء زجاجة بيرة بصفات معينة تتفق والمعتقدات التي تربى
عليها. لكنه تراجع عن الفكرة بسبب المحفظة.
حين باغته صوتها كان قد التف كي يخرج من الدكان.
ماذا تفعل ليلة السبت؟
رد بصوت خافت لا شيء في برنامجي.
إذا أنت مدعو لسهرة ريفية.. سوف تتعرف على الريف وناسه وعلى عاداتهم وتقاليدهم وأفراحهم.. وستتذوق خبزهم الخارج للتو من الفرن. وستروي عطشك من شرابهم. و و .. ادعوك لحضور زفاف صديقة لي، سوف تكون رفيقي في الحفل.
تلعثم ولم يدر كيف وافقها وقبل الدعوة.هذه إحدى عاداته السيئة، التي لم يتخلص منها، بقيت ملازمه له أينما ذهب.
يوما السبت والأحد تعرف على الفلاحين وأفراحهم، عاش لحظات جميلة وممتعة، ورقص مثل أي فلاح آخر، فهو بالأصل من عائلة قروية، لم يجد صعوبة بالتأقلم مع فلاحي تلك البلدة. تذكر قول جدته "الفلاحين أينما كانوا من نفس الطينة والعجينة"... تملح من ملحهم، أكل من خبزهم، شرب من شرابهم، رقص رقصاتهم، علمهم رقصاته وغنى لهم عالروزنا وعاليادي اليادي وعلى دلعونا ويا ظريف الطول. لم ينس تلك الليلة ان الطريق إلى الجنة أو النار تبدأ بخطوة.وتمكن من حل عقدته مع أم الأربعة وأربعين، قبل أن يجد المكان من حوله يلف ويدور.
حين باغته صوتها كان قد التف كي يخرج من الدكان.
ماذا تفعل ليلة السبت؟
رد بصوت خافت لا شيء في برنامجي.
إذا أنت مدعو لسهرة ريفية.. سوف تتعرف على الريف وناسه وعلى عاداتهم وتقاليدهم وأفراحهم.. وستتذوق خبزهم الخارج للتو من الفرن. وستروي عطشك من شرابهم. و و .. ادعوك لحضور زفاف صديقة لي، سوف تكون رفيقي في الحفل.
تلعثم ولم يدر كيف وافقها وقبل الدعوة.هذه إحدى عاداته السيئة، التي لم يتخلص منها، بقيت ملازمه له أينما ذهب.
يوما السبت والأحد تعرف على الفلاحين وأفراحهم، عاش لحظات جميلة وممتعة، ورقص مثل أي فلاح آخر، فهو بالأصل من عائلة قروية، لم يجد صعوبة بالتأقلم مع فلاحي تلك البلدة. تذكر قول جدته "الفلاحين أينما كانوا من نفس الطينة والعجينة"... تملح من ملحهم، أكل من خبزهم، شرب من شرابهم، رقص رقصاتهم، علمهم رقصاته وغنى لهم عالروزنا وعاليادي اليادي وعلى دلعونا ويا ظريف الطول. لم ينس تلك الليلة ان الطريق إلى الجنة أو النار تبدأ بخطوة.وتمكن من حل عقدته مع أم الأربعة وأربعين، قبل أن يجد المكان من حوله يلف ويدور.
الحلقة المفقودة
التقيت به في مقهى مشرقي في اوسلو، لم يكن هناك أمكنة فارغة سوى على
طاولتي، طلب الجلوس سمحت له.. بعد ان شبع من سندويش فلافل، سألني عن
بلدي، طبعاً لم يكن يسال عن النرويج، بل عن البلد الأصلي. قلت له أنا
من فلسطين.. قال بأسف، مساكين.. معذبين..
هو مثلي أجنبي في بلاد أجنبية.
بدون سؤال ، قدم نفسه: انا من بولندا.. اعمل في البناء.. نص بنص..
قلت ماذا تعني بنص نص ؟
قال يعني ابيض واسود..
قلت له: ما هو الأبيض وما هو الأسود؟
نظر الي بتعجب، وأضاف.. يعني اشتغل هنا وهناك ..
قلت له بصراحة أنا رجل لا افهم بالألغاز، اشرح لي الموضوع وبسط الأمر.
قال أنا اعمل جزء بالأبيض يعني ادفع ضرائب وجزء بالأسود يعني بدون ضرائب.
وحدثني بعد ذلك عن سر العمل بالأسود وما يمكن ان يوفره المرء من أموال.. ثم أضاف حتى نستطيع إنهاء العمل بالأسود، علينا إيجاد العلاج الشافي. وأخذ يقص على مسامعي في نهاية حديثه ، القصة التالية: عامل بناء بولندي يعمل بالأسود في بناء فيلا لرجل أمريكي في واشنطن.. العامل البولندي استأجر عامل بناء أوكراني كي يبني له فيلا في وارشو. العامل الأوكراني بدوره يبني فيلا في كييف ويقوم ببنائها عامل أوزبكي ، والأوزبكي لكي يبني فيلا له في بلاده عليه أن يحضر الأمريكي ليقوم ذلك. وبما أن هذا الطلب غير ممكن.. ستبقى هذه الحلقة من الدائرة مفقودة. لذا يصعب ربطها بالحلقات الأخرى. مما يعني أن شغل النص بنص، والعمل الأسود سوف يستمر بدون تغيير...
بعد حديثه سحبت نفساً عميقاً من اركيلتي كاد يخنقني، فأخذت اسعل بشدة، وأثناء نوبة السعال رأيت البولندي يلوح لي بيده ويمضي برفقة مقاول بناء نرويجي.
هو مثلي أجنبي في بلاد أجنبية.
بدون سؤال ، قدم نفسه: انا من بولندا.. اعمل في البناء.. نص بنص..
قلت ماذا تعني بنص نص ؟
قال يعني ابيض واسود..
قلت له: ما هو الأبيض وما هو الأسود؟
نظر الي بتعجب، وأضاف.. يعني اشتغل هنا وهناك ..
قلت له بصراحة أنا رجل لا افهم بالألغاز، اشرح لي الموضوع وبسط الأمر.
قال أنا اعمل جزء بالأبيض يعني ادفع ضرائب وجزء بالأسود يعني بدون ضرائب.
وحدثني بعد ذلك عن سر العمل بالأسود وما يمكن ان يوفره المرء من أموال.. ثم أضاف حتى نستطيع إنهاء العمل بالأسود، علينا إيجاد العلاج الشافي. وأخذ يقص على مسامعي في نهاية حديثه ، القصة التالية: عامل بناء بولندي يعمل بالأسود في بناء فيلا لرجل أمريكي في واشنطن.. العامل البولندي استأجر عامل بناء أوكراني كي يبني له فيلا في وارشو. العامل الأوكراني بدوره يبني فيلا في كييف ويقوم ببنائها عامل أوزبكي ، والأوزبكي لكي يبني فيلا له في بلاده عليه أن يحضر الأمريكي ليقوم ذلك. وبما أن هذا الطلب غير ممكن.. ستبقى هذه الحلقة من الدائرة مفقودة. لذا يصعب ربطها بالحلقات الأخرى. مما يعني أن شغل النص بنص، والعمل الأسود سوف يستمر بدون تغيير...
بعد حديثه سحبت نفساً عميقاً من اركيلتي كاد يخنقني، فأخذت اسعل بشدة، وأثناء نوبة السعال رأيت البولندي يلوح لي بيده ويمضي برفقة مقاول بناء نرويجي.
وحدها بنت الجيران
بيت
الجيران يعج بالفتيات.. سكان الحي البائس، النائي، جلهم من فقراء البلد، تقاسموا
الحمام الوحيد، الذي كان بالأصل كوخاً قديما لرجل غريب، قدم إلى الحي الفقير بعدما
نبذ من حي الأغنياء البعيد. يقال أن الرجل الغريب الأفكار والأطوار مات في الكوخ.
دفنوه هناك وحيداً ووضعوا فوقه مجموعة من الكتب الممنوعة، ثم هالوا التراب فوقه
وفوق كتبه. مع الأيام غاب القبر وبقي الكوخ بجدرانه المصنوعة من ألواح الخشب. ثم
صار حماماً للذين لا حمامات لهم. لم يكن هناك سقفٍ للحمام سوى السماء. لذا كان لا
يستعمل في فصل الشتاء. بفضل الحمام اكتشف أحد فتيان الحي فحولته اثناء التلصص على
بنت الجيران، وقت الاستحمام. أمعن النظر من خلال ثقب وجده في اللوح الخشبي. رآها
تستحم، لكن شعرها الطويل الذي غطى جسدها منعه من مشاهدة الممنوعات.بدت كأنها فتاة
أخرى، غير تلك الغزالة التي عرفها عن قرب. تخيلها سمكة في بحر، عروس المحيطات
البعيدة. نسي أثناء التلصص نفسه تماما، فقد غلبته اللحظة، تفوقت على عقله، كاد أن
يدخل إلى الحمام بكل جسده من الثقب الصغير.. فجأة أحس بسخونة،فنعاس ثم نام في
مكانه. لم يفق بعد ذلك. وجدوه ميتاً في سريره.. لم يستطع الطبيب الذي حضر من الحي
المجاور رغم بعده، تشخيص الوفاة.وحدها بنت الجيران ، التي رأت بؤبؤ عينه في ثقب
اللوح الخشبي بينما كانت ترد شعرها عن جسدها البرونزي، عرفت السبب.لذا ارتدت صباح
ذاك اليوم ثياب الحداد.
محاولة انتحار
كانوا يشيرون عليه كلما مر بالقرب منهم أو التقاهم بالمصعد. سكن الدور الأخير من
المبنى المؤلف من عشرين طابقاً. عرفه الطلبة وعرفته الطالبات من خلال سنوات جامعية
عديدة جمعتهم به. كانوا يسمونه: " رجل برأس مثل القفل". لشدة عناده ورفضه التنازل
عن موقفه. اعتبرهم جميعاً على خطأ يوم جادلهم بقضايا مصيرية وفكرية. درس الفلسفة
وتأثر بها، ترك شعره يطول حتى كاد يلامس مؤخرته. ولحيته طاليت فوصلت إلى سرته.
آخرون اعتبروه من عقلاء السكن، حتى أن طالبة تدرس الفلسفة مثله. جميلة كالبدر ،
تركت الآخرين وأحبته هو. حاولت التقرب إليه بعد أن عرفته عن قرب وعلمت بأنه مل
الحياة. وأنه اختار لحظة معينة لموت مرسوم. في ذلك اليوم المعهود، غادرت السكن ولم
تعد أبداً. بينما قفز هو من الدور الأخير، حيث بادلها بسمة ورقصة خلال حفل عقد قران
زميله قبل أيام قليلة. اختار طريقة انتحاره بعد حوار طويل مع زجاجة فودكا. قفز من
السطح دون أن ينظر تحته. في أثناء تحليقه شاهد خلف الشبابيك الكثيرة بعض الفتيات،
اللواتي وصفنه بالقفل، ينزعن عن أجسادهن آخر أوراق التوت. رفع رأسه عالياً وأخذ
ينظر إلى أعلى، فرأى نجمة تشع نورا وعليها وجه الفتاة التي أحبته. ورأى قمرا
منيراً، مكتمل الدائرة ولمح لدى تهاويه شيئاً مشعاً كان بدوره يسقط بسرعة فائقة.
خيل له أنه سيسبقه إلى الأرض. بعد هنيهة اختفى الشيء المشع من مجال الرؤية، وأحس
بجسده يرتطم بشيء ما. أدرك أنه لم يمت وأنه مازال على قيد الحياة. عرف فيما بعد انه
وقع على متسول مر صدفة على الرصيف، حاملا بيده كوباً فارغاً إلا من بعض القطع
المعدنية. كان يبحث عن شيء يضيفه إلى الكوب. مات المسكين بينما لم يحصل اليائس على
ميتة أرادها وخطط لها. لكنه تعرف خلال مغامرته تلك على بعض خبايا السكن الجامعي.
شرحبيل وشادي
جلسوا القرفصاء تحت شجرة برتقال في بستان قريب من المخيم، تحدثوا في
السياسة، خبزهم اليومي.. التهموا طعامهم وشربوا ما تيسر من المشروبات
الغازية. شادي أصغرهم وأكثرهم حباً لمشروب الميرندا. وكذلك أكثرهم شغفا
بالقراءة. أنصت لهم وهم يتذكرون يوم تعرفهم على شرحبيل. حيث كان يوماً
لمعرفة الفرق بين الاستعمار والقمل. إذ أن شرحبيل الذي كان رأسه يعج
بالقمل يوم جاء للتسجيل في التنظيم، كتب في استمارة انتسابه أنه يريد
مواجهة الغزو وتحرير البلاد من الاستعمار. لم يتمالك فادي نفسه، حيث
قال له عليك أولاً أن تحرر رأسك من غزو واستعمار القمل. لأنك بهذا
الرأس المستعمر سوف تجلب الاستعمار لكل الرؤوس هنا في هذا المكان.
انتفض شرحبيل وبنيته توجيه لطمة قوية لفادي .. لكنه تذكر ان فادي
المسئول عن التسجيل، وعن التنظيم.. تراجع وبلع كل شيء، فقد كان حلمه ان
يكون فدائياً. وكان له ذلك، واستطاع ان يحرر رأسه من كافة أنواع
الاستعمار، واستشهد مع رفيقه شادي بعد شهور في مواجهة ملحمية مع
الاستعمار الحقيقي، جنوب الجنوب في شمال البلاد التي أحب.
السؤال الصعب
جاء شيخ كبير إلى مجلس الإمام السافعي، فسأله: ما الدليل والبرهان في دين
الله؟ فقال : كتاب الله.فقال الشيخ: وماذا- أيضا-؟ قال: سنة رسول الله. قال
الشيخ: وماذا- أيضا-؟ قال: اتفاق الأمة. قال الشيخ: من أين قلت اتفاق
الأمة؟ فسكت ، فقال له الشيخ: سأمهلك ثلاثة أيام. فذهب الإمام إلى بيته،
وظل يقرأ ويبحث في الأمر. وبعد ثلاثة أيام جاء الشيخ إلى مجلس ، فسلم وجلس.
فقال له : قرأت القرآن في كل يوم وليلة ثلاث مرات، حتى هداني الله إلى
قوله تعالى: {ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل
المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا}. فمن خالف ما اتفق عليه
علماء المسلمين من غير دليل صحيح أدخله الله النار، وساءت مصيرا. فقال
الشيخ: صدقت0
Subscribe to:
Posts (Atom)