فتيات فلسطينيات يحاربن انتشار الارجيلة على طريقتهن

أطلقت مجموعة من الفتيات في محافظة نابلس في الضفة الغربية حملة "صبايا ضد النرجيلة" بهدف مكافحة انتشار هذه الظاهرة بين صفوف الفتيات دون سن الثامنة عشرة  حرصًا على سلامتهن ودرءًا للخطر المحدق بهن جراء الإدمان عليها.



قالت سمر فخر الدين، مديرة مدرسة نابلس الأساسية المختلطة التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين في اتصال هاتفي مع "إيلاف": "إن طالبات في الصف الثامن قررن إطلاق هذه الحملة لمكافحة انتشار ظاهرة تدخين النرجيلة بين صفوف الطالبات دون سن الثامنة عشرة حرصًا على سلامتهن من خلال التوعية الكاملة بآثار وانعكاسات النرجيلة على الصحة".



وأكدت فخر الدين، أن قضية المساس بصحة جيل المستقبل تقع على عاتق الجميع وبالتالي لا بد من محاربة انتشار النرجيلة بين الطالبات ولا يمكن اعتبارها ضمن الحريات الشخصية نظرًا لمساسها بصحة الآخرين وتأثيراتها على صحة المدخنات أنفسهن.



وأوضحت أن المدرسة نفذت العديد من الفعاليات والأنشطة المتعلقة بتوعية طالبات المدرسة وأولياء الأمور بالتعاون مع العديد من الجهات حيث تم تنظيم ندوات صحية وتوعوية واستضافة أطباء ورجال دين وإعلام.

بدورها، أكدت غادة حمدان، منسقة المشروع خلال لقاء خاص مع "إيلاف"، أن هذه الحملة كانت نتاج مشروع المواطنة الذي تلقت تدريبًا عليه بالتعاون مع مركز إبداع المعلم وتم نقل التجربة للطالبات.

وقالت حمدان: "إن مشروع المواطنة يسعى الى تعزيز قدرات الطالبات على التعامل مع المشكلات من خلال البحث العلمي وخدمة المجتمع المحلي ويهدف الى التعرف على السياسات المطبقة على الأرض والعمل على خلق السياسات البديلة التي من شأنها حل المشكلات التي تواجه المجتمع".

وبينت، أن اختيار قضية تدخين النرجيلة بين الصبايا جاء بعد طرح المشاركات في هذا المشروع عدة قضايا بارزة حيث تم التوقف عندها نظرًا لانتشارها الواسع بين صفوف طالبات المدارس.



 وأشارت إلى أن المشروع يهدف إلى منع انتشار تدخين النرجيلة بين طالبات المدارس في المجتمع الفلسطيني سعيًا الى الحفاظ على صحة الفتيات اللواتي هن في طريقهن ليصبحن أمهات المستقبل ومن أجل التوعية والحد من الإدمان.

وذكرت أن الحملة بدأتها طالبات الصف الثامن في مدرسة نابلس الأساسية المختلطة البالغ عددهم زهاء ثلاثين طالبة منذ نحو ثلاثة أشهر، مؤكدة أن الحملة ستستمر حتى الوصول الى تحقيق أهدافها.



وقالت حمدان: "إن مشروع المواطنة يتطلب وجود حل بديل إذا لم تستجب السياسات القائمة لحل المشكلة ورغم وجود قانون مقر إلا أنه غير مطبق ومن هنا تمت المطالبة والتوصية بضرورة اعتماد برنامج وطني طويل الأمد وغير تقليدي لمحاربة النرجيلة من خلال العمل على تشكيل إئتلاف وطني بهذا الاتجاه.



وبخصوص ظاهرة انتشار تدخين النرجيلة في نابلس بين النساء، أكدت أن هذه الظاهرة موجودة منذ زمن طويل إلا أنها وفي الوقت الحاضر امتدت وانتشرت ووصلت الريف والمجتمع المحافظ وانتشرت بين الصبايا والفتيات دون 18  عامًا.

وانتقدت وجود مخالفات في بعض المقاهي داخل المدينة التي تسمح لطالبات قاصرات بتدخين النرجيلة وهنّ في ملابس المدرسة، لافتة إلى وجود مخالفات صارخة لقانون مكافحة التدخين في الأماكن العامة الصادر عن المجلس التشريعي عام 2005 ومن بين مواده منع الترويج والدعايات التي تشجع على التدخين.



وفي ما تحقق من نجاحات حتى الآن، أكدت حمدان، أن حملة "صبايا ضد النرجيلة" حققت نجاحًا في مجال توعية طالبات المدرسة وأولياء الأمر، وتم جمع شهادات حية حول هذه الظاهرة، كما تمت مراسلة منظمة الصحة العالمية والحصول على عشرات ومئات التواقيع المناهضة لتدخين النرجيلة.

وانتقدت غياب التعاون المؤسساتي، داعية إلى تضافر كافة الجهود لمكافحة انتشار هذه الظاهرة.



لفت الانتباه

بدورها، أكدت إحدى الطالبات القائمات على هذه الحملة في حديث لـ"إيلاف" أن الهدف الأساس من هذه الحملة هو لفت الانتباه الى تفشي ظاهرة تدخين النرجيلة بين طالبات المدارس.

وقالت: "إن من بين الأهداف التي وضعناها نصب أعيننا هو تقييم السياسات المحلية في محاربة هذه الظاهرة الخطيرة واقتراح بدائل عملية تنسجم مع الدستور الفلسطيني".

وحول طرق المتابعة بهذا الاتجاه، أكدت الطالبة أن المجموعة بإشراف المنسقة قامت بإعداد استبيانات واستطلاعات للمدخنات وغير المدخنات وكذلك عقد لقاءات وندوات ومتابعات ميدانية ورصد وتوثيق لتجاوزات بهذا الخصوص وعمل العديد من المواد الأرشيفية بغرض المتابعة والتوعية.



انتشار النرجيلة يفوق السجائر

وبحسب منسقة المشروع وقائدة فريق "صبايا ضد النرجيلة" غادة حمدان، فإنه وتبعًا لنتائج الاستطلاعات فإن ظاهرة تدخين النرجيلة منتشرة بشكل أكبر من تدخين السجائر بين الفتيات وطالبات المدارس دون سن العشرين حيث أجابت 60% من الفتيات أنهن يدخن النرجيلة فقط مقابل 27% ممن يدخن الاثنين معًا٬ والاخطر من ذلك أن 49 % منهن لا يعتبرنها بديلاً عن السجائر ما يجعلها ظاهرة تكاد تكون مستقلة بذاتها.



وقالت حمدان: "إن دور الأسرة في هذا المجال يعد خطيرًا جدًا  حيث تساهم الأسرة بالتشجيع بشكل مباشر أو غير مباشر على الاقبال على تدخين النرجيلة بين الطالبات حيث أجابت 76% من الفتيات اللواتي تم استطلاع آرائهن أن لديهن قريبات من الإناث ممن يقمن بتدخين النرجيلة".



وأضافت: "أن ما يزيد الأمر خطورة هو أن 46% منهن بدأن بالتدخين في البيت من باب التقليد وغياب الرقابة واعترفن أيضا أن أسرهن لا ترحب كثيرًا بعادة التدخين هذه مما يدل أحيانًا على غياب التعامل التربوي والجدي من قبل الأهل مع بناتهم في مواجهة هذه الظاهرة".



وحول الأسباب التي دفعت الى انتشار هذه الظاهرة بين صفوف طالبات المدارس والتي تم التوصل اليها من قبل القائمات على الحملة بعد استطلاعات الرأي أكدت حمدان، أن مدخنات النرجيلة فسرن أسباب التدخين على كونه وسيلة استرخاء ونوعاً من الترويح والهروب من الواقع الأسري والاجتماعي وتقليد الرجال.



انتهاكات للقانون والسياسات الأخرى

وبخصوص القوانين الفلسطينية ذات الصلة بهذه القضية ونقلاً عن منظومة القضاء والتشريع في فلسطين – "المقتفي" التي أعدها معهد الحقوق في جامعة بيرزيت، فإن القانون الفلسطيني لم يغفل عن وضع قانون للتبغ والاتجار به والترويج له، حيث اشارت مواده الى ضرورة مكافحة تدخين التبغ في الأماكن العامة للمحافظة على الصحة العامة والبيئة.



ومن بين مواده أن تقوم الوزارة بالتعاون مع الجهات المختصة بالعمل على مكافحة التدخين، ودعم المؤسسات التي تعمل على مكافحته ونشر الوعي بمضار التدخين والرقابة على مدى مطابقة التبغ المحلي والمستورد للمواصفات والمعايير الواردة في الأنظمة الصادرة بموجب القانون،  وإقامة المراكز المتخصصة لمساعدة المدخنين للإقلاع عن التدخين.



كما جاء في مواد القانون  أنه يحظر تدخين أي نوع من أنواع التبغ في الأماكن العامة،  كما يمنع بيع أو توزيع أو عرض أو الإعلان عن التبغ للأشخاص الذين تقل أعمارهم عن (18) سنة، ويحظر إعداد أو طبع أو عرض أو تعليق أي إعلان لأغراض الدعاية عن التبغ أو الترويج له.



وفي ما يتعلق بمدى الالتزام بما جاء في القانون ومواده في الاراضي الفلسطينية، أكدت منسقة المشروع أن القانون الفلسطيني يعد عصريًا ورائعًا ورائدًا، إلا أنه غير مطبق، وقالت: "إن هناك خرقاً لمواده".

 وبينت حمدان، أن من بين الخروقات عملية الترويج والدعايات الكثيرة والدعوات المجانية الى تناول النراجيل في بعض المقاهي كما يتم السماح لمن هم دون سن الثامنة عشرة بتدخينها داخل هذه المقاهي وعدم منع انتشارها من قبل الجهات المختصة.



توصيات مشروع " صبايا ضد النرجيلة"

وبخصوص المقترحات والتوصيات التي دعت إلى تطبيقها هذه الحملة، قالت حمدان: "إن السلطة الوطنية بمختلف مؤسساتها ووزاراتها مدعوة الى البدء بإعداد برنامج وطني شامل طويل الأمد وغير تقليدي تجمع عليه المؤسسات الحكومية والمدنية لمحاربة ظاهرة تفشي وباء تدخين النرجيلة بين طالبات المدارس".

كما طالبت الحملة بضرورة مراجعة السياسات العامة الخاصة بمكافحة التدخين وتقييم مدى فعاليتها، والتأكيد على صحة المرأة الفلسطينية في كافة مراحل حياتها.

وشددت على أهمية تفعيل قانون مكافحة التدخين في الأماكن العامة الصادر عام 2005  ومتابعة ومراقبة تطبيق القانون في كافة المؤسسات المدنية والحكومية وخاصة المدارس والجامعات، واعتماد شعارات مكافحة التدخين في الادبيات والمراسلات في وزارة الصحة والتقويم السنوي.



وكان من بين التوصيات الدعوة إلى اعتبار سياسة مكافحة التدخين وخاصة تدخين النرجيلة من أولويات الطب الوقائي ووسيلة ناجحة لتخفيض تكاليف التأمين الصحي خاصة وأن احصائيات وزارة الصحة تفيد أن أمراض الضغط والشرايين والسرطان من أهم  اسباب الوفيات في الشعب الفلسطيني.

وبحسب الحملة وتوصياتها فقد تمت الدعوة إلى منع الدعايات المشبوهة في الصحف المجانية وخاصة تلك التي تروج لأيام تدخين مجانية للنرجيلة.



وأهابت الحملة بضرورة منع تدخين النرجيلة في المقاهي لمن هنّ  تحت عمر 20 سنة، وعدم بيع منتجات التبغ لمن هم دون  18 سنة.

ولفتت حمدان، إلى ضرورة تشكيل ائتلاف "صبايا ضد النرجيلة" ومن ثم شباب ضد النرجيلة  ليكون هيئة شبابية واعية تساند الحملة الوطنية لمكافحة التدخين وخاصة النرجيلة .

تجدر الإشارة إلى أن عادة تدخين النرجيلة في نابلس تعد عادة قديمة حيث انتشرت في القرن التاسع عشر والقرن العشرين٬ ويرتبط انتشارها بظهور الحياة الحضرية في المدن الفلسطينية الساحلية مثل يافا وحيفا ثم القدس ونابلس لكونها مركزاً تجارياً  تنتشر فيها أماكن الترفيه والترويح عن الذات.



وعن مدينة نابلس تحدث المؤرخ النابلسي محمد عزت دروزة عن المقاهي، حيث كان "يؤمها الشباب والعمال والفقراء لشرب القهوة والشاي وتدخين النراجيل" ، وعن التـنـباك المستعمل للنراجيل في تلك المقاهي يقول دروزة أنه كان يأتي من مصدرين: "الأول من سوريا ويسمى التنباك اللاذقي الذي كان يزرع في جبال اللاذقية، والمصدر الآخر العجمي من إيران وهذا الأخير أفضل" .



ويذكر دروزة، أن النراجيل كانت منتشرة بشكل كبير في المدينة، ولم يكن تدخينها يقتصر على طبقات اجتماعية معينة، حيث انتشرت النراجيل في البيوت بحيث لا يكاد يخلو بيت منها، وكان التجار يدخنونها في دكاكينهم، والمتنزهون يأخذونها معهم.



 ولا تقتصر النرجيلة على الرجال في نابلس، فقد كانت تتعاطاها النساء كذلك، ويؤكد هنا المؤرخ الفلسطيني أن هذه العادة كانت من طقوس الحياة الاجتماعية.